فلمّا لاح ابن ذكّاء (١) والتحف الجوّ بالضياء هبّ علينا نسيم تلك الديار (٢) ، وقابلنا وجهها بالاستبشار ، فطار القلب كل مطار ، وجادت العين بالدمع المدرار ، وأنشدت في تلك الأقطار والدمع يستوقف القطار (٣) [١٧٨ ب] :
هبت سحرا فنبهت وسواسي |
|
نشوى خطرت عليلة الأنفاس |
أهدت أرج الرجاء بعد اليأس |
|
ما أحسن بعد وحشتي إيناسي |
وما برحنا نلتحف من تلك البقاع برودا ، ونقابل من هضابها نهودا ، ومن رباها أعينا وخدودا ، ونلتمس منها معاهد وعهودا ، وقد برز إلى الملتقى سائر الأصحاب والأصدقاء ، ولم يزالوا يتواردون إليّ ، ويطيلون التسليم عليّ ، وقد استطارت صدوع كبدي من الحنين إلى ولدي ، فلم يكن بأسرع من إقبال المبشر بقدومه ، ثمّ اجتلاء طلعته مع تسليمه (٤) ، فأرسلت الدموع (٥) تترى ، وحمدت الله تعالى شكرا ، وأنشدت لبعضهم شعرا :
عينيّ دمعت مسرة بالجمع |
|
قالوا مهلا ما في البكاء من نفع |
دع عينك تستغنم منهم نظرا |
|
ما ذا زمن تشغلها بالدّمع (٦) |
__________________
(١) ابن ذكاء : هو الصبح ، ويقال للشمس ذكاء ، والصبح من ضوئها.
(٢) وردت في (م) و (ع): «الدار».
(٣) القطار : السحاب الكثير القطر أي المطر.
(٤) وردت هذه العبارة في (م) و (ع): «ثم اختلاط لعبه مع تسليمه».
(٥) وردت في (م) و (ع): «دموع العين».
(٦) سقطت هذه الأبيات من (ع) وكتبت في (م) على الهامش. وهي ممّا ينسب إلى الملك أبي الفداء صاحب حماة ، انظر : تاج المفرق ٢ : ١٣٢.