تلك البئر وينشع (١) [إليها](٢) من جبل صنعاء الذي يسمى نقم فصبه في جبه وجرته فأقام ذلك الماء في ذلك الجب أو الجرة شهرا لم يتغير طعمه. فإذا فرغ الماء من الكوز لم يجد له ثقلا كالذي يوجد في سائر مغارات الماء ، وهو ماء لذيذ طيب مروي خفيف حلو صاف لا كدر ولا ثقل فيه لا يزال باردا أي وقت شربته في الليل أو النهار والشتاء والصيف يشرب في الصيف باردا كما يشرب في الشتاء لا فرق بينهما ، يباع أربع قرب كبار بدانق من ستة دوانق من درهم قفلة وهذا ما لم نره إلا فيها (٣) لأن كل ماء ترى فيه كدرا وترى فيه ثقلا لا بد ، وإن الفرات يكون الرجل على النهر فيشرب فلا يخلو أن يبقى في الإناء له كدر أو ثقل ويحتاج أن يبرد ويعالج بالثلج وغيره ويقام عليه حتى يطيب شربه في الصيف.
ويدخل الرجل الحمام فيمكث فيه الساعة حتى يبتدئ عرقه ثم يعرق حينئذ. وليس بها شيء يؤذي من العقارب المجحفة ولا الأفاعي القاتلة.
وذكر له أنواعا كثيرة مما فيها من الطيب مما لم يجعله الله لغيرها من البلدان. فقال القاضي : ما أعلم أن تحت هذه السماء أطيب من هذه البلدة يعني صنعاء ، ولها مطر الخريف ، ويكون المطر بها في تموز وحزيران وهذا مطر لا يكون إلا بها وهو من الأشياء المستحيلة إلا بها ونواحيها (٤). كما قال الحرقي :
__________________
(١) أنشع فلانا بشربة : أغاثه بها (المحيط) ، وفي اصطلاح أهل صنعاء ، تنشع الجرة : ترشح.
(٢) من بقية النسخ.
(٣) في شرقي صنعاء اليوم بالقرب من قصر غمدان (قصر السلاح) بئر تسمى الباشا وماؤها الباشي ، وفي سفح نقم شرقي صنعاء عين ماء أيضا ، وما زال بعض أهل صنعاء يردون البئر والعين لعذوبة مائهما وخفته فينقلونه ويطيبونه بالبخور ويشربونه في مقيل القات.
(٤) انظر بحث أمطار اليمن والظواهر الجوية فيه مبسوطا في : كحالة : جغرافية شبه جزيرة العرب ٢٧٨ ـ ٢٨٠.