الفنون ؛ لا يزال كثير منها في طيات الغيب ولا يستبعد أن بعضها تحفظه ـ حتى الآن ـ الخزائن الخاصة في بيوتات اليمنيين وغيرها ، متوارثا عن الأجداد الذين لم يألوا جهدا في الجمع والتصنيف مما جعل اليمن غاصّا بما جمع وصنف بحيث أصبح مظنة المعرفة والعلم ، يحج إليه رجال العلم والفكر من مختلف الأقطار الإسلامية للإفادة من هذا المعين الثر في المعارف الإنسانية ، ينهلون منه ويتفيؤون الأمن والعافية في ربوع اليمن بعيدين عمّا كانوا يلاقونه من عنت الاضطهاد الفكري والمذهبي من حكام أوطانهم التي كانوا بها.
هكذا كان شأن اليمن الذي ازدهر في القرون الثلاثة الأولى للهجرة ، ولا يعني هذا أنه لم يكن يعاني من شيء قليل أو كثير من الاضطراب السياسي من تعاور الحكام المختلفي النزعات على حكمه ، إلا أن هذا الاضطراب لم تكن تنعكس آثاره على أوساط الذين انصرفوا يشتغلون بالعلم ويشغلون فيه ، وإن انعكست عليهم فإنما تمسهم مسا قد يضر ببعضهم ولكنه لا يوقف مسيرتهم في هذه الميادين ، ولم تلبث بذور هذه الاضطرابات أو هذه الفتن أن تنمو ومن ثم تستشري في عصور لاحقة فتصبح آفة تهدد الاستقرار والعافية في كل شيء ، فلم يسلم منها من انصرفوا للعلم ، فعصفت بكثير منهم وبما أنتجوا أو صنفوا ، وتتوالى هذه الفتن عصرا بعد عصر ، وتضيع كتب وتحرق أخرى ، وتندثر مؤلفات تحت أنقاض الخرائب حتى يطل القرن الرابع عشر الهجري (العشرون للميلاد) وفيه ينحسر ظل الحكم العثماني ويتوسد الأمر (أسرة بيت حميد الدين) ويقوم بالحكم الإمام يحيى بن محمد حميد الدين (١٩١٨ ـ ١٩٤٨ م) فيفرض على اليمن العزلة ويتأخر سيره عن ركب الحضارة في العالم ، فأصاب اليمن من جرّاء ذلك تخلف عن الركب فلم يعد يتأثر بما يجري في العوالم الأخرى إلا تأثرا هينا خفيفا وذلك عن طريق ما قد يصل إليه من أنباء عن حركات إصلاحية في العالم العربي والإسلامي مع قوافل الحجاج ـ على هزله وقلته ـ ومع بعض من كان يتاح لهم السفر ـ على