وما السّجسج؟ فقال : لا حر يؤذيهم ولا برد يؤذيهم (١) فصنعاء لا حر يؤذي ولا برد يؤذي ، فهواؤها أطيب هواء في الحر والبرد.
قال القاضي سليمان بن محمد رحمهالله : ولم يذكر الله عزوجل بالطيب إلا سبأ وهي مدينة مأرب ، فقال تعالى : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ، جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ ، كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)(٢).
جاء في الخبر أن جهنّم اشتكت إلى ربها ، فقالت : «أكل بعضي بعضا ، فأذن لها أن تتنفس في السنة مرتين ؛ فشدة البرد من زمهريرها وشدة الحر من سمومها (٣)». وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم» (٤) وليس بصنعاء من البرد الشديد كالذي في غيرها من الدينور ، وهمذان ، وجبال فارس ، والماهان الذي يضم عليهم الأبواب ويدخلون منه في الأنفاق والبيوت المتخذة باللبود وما يدرأ به برد الثلوج وذلك إلى أمد معلوم لا يرون فيها شمسا حتى تنقضي تلك المدة ثم يخرجون ويكسحون الثلوج من أبواب دورهم وأفنيتهم ، وهذا أشد البرد وأخطره وأعظمه (٥) ضررا على الأجساد ، وهذا مما لم يبلنا به الله تعالى في بلدنا وهو من عذاب جهنم كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «شدة البرد من برد جهنم» وليس فيها من الحر والسمائم القاتلة ما في غيرها من ذلك كالبصرة ، والأهواز ، ومكة ، والمدينة ، والتهائم التي لا يقدر السالك أن يسلك من شدة
__________________
(١) يوم سجسج : لاحر ولاقر ، ومنه حديث ابن عباس في صفة الجنة «وهواؤها السجسج» (المحيط).
(٢) سبأ : ٣٤ / ١٥.
(٣) قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فجعل لها نفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف. فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها وشدة ما تجدون من الحر من سمومها» سنن ابن ماجه ٢ / ١٤٤٤ ـ ١٤٤٥.
(٤) الحديث : «إذا كان اليوم الحار فأبردوا بالصلاة فإن ...» صحيح مسلم بشرح النووي ٥ / ١١٨.
(٥) ليست في حد.