وكان قد جمع الكثير من الحديث ؛ وخرّج أبوابا وتراجم وشيوخا ، كتبت عنه منتخبا. وكان من أهل العلم بالقراءات ؛ ورأيت لأبي العلاء أصولا عتقا سماعه فيها صحيح ، وأصولا مضطربة ، وسمعته يذكر أن عنده تاريخ شباب العصفري ؛ فسألته إخراج أصله لأقرأه عليه فوعدني بذلك. ثم اجتمعت مع أبي عبد الله الصّوريّ فتجارينا ذكره ، فقال لي : لا ترد أصله بتاريخ شباب فإنه لا يصلح لك. قلت : وكيف ذاك؟ فذكر أن أبا العلاء أخرج إليه الكتاب فرآه قد سمع فيه لنفسه تسميعا طريا ؛ مشاهدته تدل على فساده.
وذاكرت أبا العلاء يوما بحديث كتبته عن أبي نعيم الحافظ عن أبي محمّد بن السّقّاء فقال : قد سمعت هذا الحديث من ابن السّقّاء وكتبه عني أبو عبد الله بن بكير ، وكتاب ابن بكير عندي ؛ فسألته إخراجه إليّ ، فوعدني بذلك ، ثم أخرجه إلىّ بعد أيام ، وإذا جزء كبير بخط ابن بكير قد كتب فيه عن جماعة من الشيوخ ؛ وقد علق عن أبي العلاء فيه الحديث ، ونظرت في الجزء فإذا ضرب طرىّ على تسميع من بعض أولئك الشيوخ ، ظننت (١) أن أبا العلاء كان قد ألحق ذلك التسميع لنفسه ، ثم لما أراد إخراج الجزء إليّ خشي أن أستنكر التسميع لطراوته فضرب عليه ، ورأيت له أشياء سماعه فيها مفسود ، إما محكوك بالسكين ، أو مصلح بالقلم ، ثم قرأت عليه حديثا من المسلسلات فقال : هذا الحديث عندي يعلو من طريق غير هذا. فسألته إخراجه فأخرجه إليّ في رقعة بخطه ، وقرأه عليّ من لفظه فقال : نا أبو محمّد عبد الله ابن محمّد بن عثمان المزني الحافظ ـ وهو آخذ بيدي ـ نبأنا أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي ـ وهو آخذ بيدي ـ نبأنا أبو الربيع الزهراني ـ وهو آخذ بيدي ـ قال : حدّثني مالك ـ وهو آخذ بيدي ـ قال : حدّثني نافع ـ وهو آخذ بيدي ـ قال : حدّثني ابن عبّاس ـ وهو آخذ بيدي. قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو آخذ بيدي : «من أخذ بيد مكروب أخذ الله بيده (٢)». فلما قرأه عليّ استنكرته ، وأظهرت التعجب منه ، قلت له : هذا الحديث من هذا الطريق غريب جدّا ، وأراه باطلا. فذكر أن له به أصلا نقله منه إلى الرفعة ، وأن الأصل قريب إليه لا يتعذر إخراجه عليه ، واعتل بأن له شغلا يمنعه عن إخراجه في ذلك الوقت ، فسألته أن يخرجه بعد فراغه من شغله. فأجاب إلى أنه
__________________
(١) بهامش الأصل بدل «ظننت» : «لم أشك».
(٢) انظر الحديث في : تنزيه الشريعة ٢ / ١٤٣. والفوائد المجموعة ٨٤. وتذكرة الموضوعات ٦٩.