عما قرفت به ، وأخذني إليه ، ففك وثاقي ، قال : وتجمعت العامة وبالغوا في التشنيع علي ومتابعة رفع القصص في أمري ، فقلت لابن أبي دؤاد. قد كثر تجمع هؤلاء الهمج علي وهم كثير ، فقال : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) [البقرة ٢٤٩]. فقلت : قد بالغوا في التشنيع علي ، فقال : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر ٤٣]. قلت : فإني على غاية الخوف من كيدهم ، ولن يخرج أمري عن يدك فقال : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [التوبة ٤٠]. فقلت : القاضي ـ أعزه الله ـ كما قال الصموت الكلابيّ :
لله درّك ـ أيّ جنّة خائف |
|
ومتاع دنيا ـ أنت للحدثان |
متخمّط يطأ الرّجال بنعله |
|
وطء الفنيق دوارج القردان |
ويكبّهم حتى كأنّ رءوسهم |
|
مأمومة تنحطّ للغربان |
ويفرج الباب الشّديد رتاجه |
|
حتّى يصير كأنّه بابان |
قال : يا غلام الدواة والقرطاس ، اكتب هذه الأبيات عن أبي عبد الله. قال : فكتبت له ، ولم يزل يتلطف في أمري حتى خلصني.
حدّثنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل حدّثنا إسماعيل بن سعيد المعدّل حدّثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال : قال أبو العيناء قال لي ابن أبي دؤاد : ما أشد ما أصابك في ذهاب بصرك؟ قلت : خلتان ، يبدؤني قومي بالسلام ، وكنت أحب أن أبتدئهم ، وإني ربما حدثت المعرض عني وكنت أحب أن أعرف ذاك فأقطع عنه حديثي. قال : أما من ابتدأك بالسلام فقد كافأته بحسن النية ، وأما من أعرض عن حديثك فما أكسب نفسه من سوء الأدب أكثر مما وصل إليك من سوء اجتماعه.
أخبرني علي بن أيّوب بن محمّد بن عمران المرزباني أخبرني محمّد بن يحيى حدّثنا أبو العيناء قال قال لي المتوكل : قد أردتك لمجالستي. فقلت : لا أطيق ذاك ، وما أقول جهلا بمالي في هذا المجلس من الشرف ، ولكني رجل محجوب ، والمحجوب تختلف إشارته ويخفى عليه إيماؤه ، ويجوز على أن أتكلم بكلام غضبان ووجهك راض ، وبكلام راض ووجهك غضبان ، ومتى لم أميز هذين هلكت. فقال : صدقت ولكن تلزمنا فقلت : لزوم الفرض الواجب. فوصلني بعشرة آلاف درهم.
قال وروى أن المتوكل قال : أشتهي أن أنادم أبا العيناء لو لا أنه ضرير. فقال أبو العيناء : إن أعفاني أمير المؤمنين من رؤية الأهلة ، ونقش الخواتيم ، فإني أصلح.