وقيل : ليغفر لهم بستره وإمهاله ، فلا يعجل لهم العذاب مع تعجيلهم بالمعصية. قال ابن عطية : والظاهر من معنى المغفرة هنا هو ستره في الدنيا ، وإمهاله للكفرة. ألا ترى التيسير في لفظ مغفرة ، وأنها منكرة مقلدة وليس فيها مبالغة كما في قوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) (١) ومحط الآية يعطي هذا حكمه عليهم بالنار. ثم قال : ويستعجلونك ، فلما ظهر سوء فعلهم وجب في نفس السامع تعذيبهم ، فأخبر بسيرته في الأمم ، وأنه يمهل مع ظلم الكفرة انتهى. ولشديد العقاب : تخويف وارتقاب بعد ترجية. وقال سعيد بن المسيب : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو لا عفو الله ومغفرته لما هنأ لأحد عيش ، ولو لا عقابه لا تكل كل أحد» وفي حديث آخر : «إن العبد لو علم قدر عفو الله لما أمسك عن ذنب ، ولو علم قدر عقوبته لقمع نفسه في عبادة الله عزوجل».
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) : عن ابن عباس : لما نزلت وضع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يده على صدره فقال : «أنا منذر» وأومأ بيده إلى منكب عليّ وقال : «أنت الهادي يا عليّ ، بك يهتدى من بعدي» ، وقال القشيري : نزلت في النبي صلىاللهعليهوسلم وعليّ بن أبي طالب ، والذين كفروا مشركو العرب ، أو من أنكر نبوته من مشركيهم والكفار ، ولم يعتدوا بالآيات الخارقة المنزلة كانشقاق القمر ، وانقياد الشجر ، وانقلاب العصا سيفا ، ونبع الماء من بين الأصابع ، وأمثال هذه. فاقترحوا عنادا آيات كالمذكورة في سبحان ، وفي الفرقان كالتفجير للينبوع ، والرقي في السماء ، والملك ، والكنز ، فقال تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : إنما أنت منذر تخوفهم من سوء العاقبة ، وناصح كغيرك من الرسل ، ليس لك الإتيان بما اقترحوا. إذ قد أتى بآيات عدد الحصا ، والآيات كلها متماثلة في صحة الدعوى ، لا تفاوت فيها. فالاقتراح إنما هو عناد ، ولم يجر الله العادة بإظهار الآيات المقترحة إلا للآية التي حتم بعذابها واستئصالها.
وهاد : يحتمل أن يكون قد عطف على منذر ، وفصل بينهما بقوله لكل قوم ، وبه قال : عكرمة ، وأبو الضحى. فإن أخذت : ولكل قوم هاد ، على العموم فمعناه : وداع إلى الهدى ، كما قال : «بعثت إلى الأسود والأحمر» فإن أخذت هاد على حقيقته فكل قوم مخصوص أي : ولكل قوم قائلين هاد. وقيل : ولكل أمة سلفت هاد أي : نبي يدعوهم. والقصد : فليس أمرك ببدع ولا منكر ، وبه قال : مجاهد ، وابن زيد ، والزجاج قال : نبي
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ٨٢.