الدُّنْيا) (١) وقوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) (٢) ثم قال تعالى : (وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ) (٣) وقرأ عكرمة والضحاك والجحدري : حينا فيهما بالتنوين ، وفك الإضافة. وجعلوا الجملتين صفتين حذف منهما العائد كقوله : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي) (٤) ويكون العامل في حينا على هذا ، إمّا المبتدأ لأنه في معنى التجمل ، وإما خبره بما فيه من معنى الاستقرار والأثقال. الأمتعة : واحدها ثقل. وقيل : الأجسام لقوله تعالى : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) (٥) أي أجساد بني آدم. وقوله : إلى بلد ، لا يراد به معين أي : إلى بلد بعيد توجهتم إليه لأغراضكم. وقيل : المراد به معين وهو مكة ، قاله : ابن عباس ، وعكرمة ، والربيع بن أنس. وقيل : مدينة الرسول. وقيل : مصر. وينبغي حمل هذه الأقوال على التمثيل لا على المراد ، إذ المنة لا تختص بالحمل إليها. ولم تكونوا بالغيه صفة للبلد ، ويحتمل أن يكون التقدير بها ، وذلك تنبيه على بعد البلد ، وأنه مع الاستعانة بها بحمل الأثقال لا يصلون إليه إلا بالمشقة. أو يكون التقدير : لم تكونوا بالغيه بأنفسكم دونها إلا بالمشقة عن أن تحملوا على ظهوركم أثقالكم. وقرأ الجمهور : بشق بكسر الشين. وقرأ مجاهد ، والأعرج ، وأبو جعفر ، وعمر بن ميمون ، وابن أرقم : بفتحها. ورويت عن نافع وأبي عمرو ، وهما مصدران معناهما المشقة. وقيل : الشق بالفتح المصدر ، وبالكسر الاسم ، ويعني به : المشقة. وقال الشاعر في الكسر :
أذي إبل يسعى ويحسبها له |
|
أخي نصب من شقها ودؤوب |
أي مشقتها. وشق الشيء نصفه ، وعلى هذا حمله الفراء هنا أي : يذهبان نصف الأنفس ، كأنها قد ذابت تعبا ونصبا كما تقول : لا تقدر على كذا إلا بذهاب جل نفسك ، وبقطعة من كبدك. ونحو هذا من المجاز. ويقال : أخذت شق الشاة أي نصفها والشق : الجانب ، والأخ الشقيق ، وشق اسم كاهن. وناسب الامتنان بهذه النعمة من حملها الأثقال الختم بصفة الرأفة والرحمة ، لأن من رأفته تيسير هذه المصالح وتسخير الأنعام لكم. ولما ذكر تعالى مننه بالأنعام ومنافعها الضرورية ، ذكر الامتنان بمنافع الحيوان التي ليست بضرورية. وقرأ الجمهور : والخيل وما عطف عليه بالنصب عطفا على والأنعام. وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع. ولما كان الركوب أعظم منافعها اقتصر عليه ، ولا يدل ذلك على أنه لا يجوز لكل
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ٤٦.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٤.
(٣) سورة الأنعام : ١٨ / ١٣.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ٤٨.
(٥) سورة الزلزلة : ٩٩ / ٢.