ويقتضي ذلك إدخالهم النار كقوله : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) (١) أي أهنته كل الإهانة. وجمع بين الإهانة بالفعل ، والإهانة بالقول بالتقريع والتوبيخ في قوله : يخزيهم. ويقول : أين شركائي ، أضاف تعالى الشركاء إليه ، والإضافة تكون بأدنى ملابسة ، والمعنى : شركائي في زعمكم ، إذ أضاف على الاستهزاء. وقرأ الجمهور : شركائي ممدودا مهموزا مفتوح الياء ، وفرقة كذلك : تسكنها ، فسقط في الدرج لالتقاء الساكنين. والبزي عن ابن كثير بخلاف عنه : مقصورا وفتح الياء هنا خاصة. وروي عنه : ترك الهمز في القصص والعمل على الهمز فيه وقصر الممدود ، وذكروا أنه من ضرورة الشعر ، ولا ينبغي ذلك لثبوته في هذه القراءة ، فيجوز قليلا في الكلام. والمشاقة : المفاداة والمخاصمة للمؤمنين. وقرأ الجمهور : تشاقون بفتح النون ، وقرأ نافع بكسرها ، ورويت عن الحسن ، ولا يلتفت إلى تضعيف أبي حاتم هذه القراءة. وقرأت فرقة : بتشديدها ، أدغم نون الرفع في نون الوقاية. والذين أوتوا العلم ، عام فيمن أوتي العلم من الأنبياء ، وعلماء أممهم الذين كانوا يدعونهم إلى الإيمان ويعظونهم ، فلا يلتفتون إليهم ، وينكرون عليهم. وقيل : هم الملائكة ، وقاله ابن عباس. وقيل : الحفظة من الملائكة. وقيل : من حضر الموقف من ملك وأنسي ، وغير ذلك. وقال يحيى بن سلام : هم المؤمنون انتهى. ويقول أهل العلم : شماتة بالكفار وتسميعا لهم ، وفي ذلك إعظام للعلم ، إذ لا يقول ذلك إلا أهله (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) (٢) تقدم تفسيره في سورة النساء (٣). والظاهر أنّ الذين صفة للكافرين ، فيكون ذلك داخلا في القول. فإن كان القول يوم القيامة فيكون تتوفاهم حكاية حال ماضية ، وإن كان القول في الدنيا لما أخبر تعالى أنه يخزيهم يوم القيامة ويقول لهم ما يقول قال أهل العلم : إذا أخبر الله تعالى بذلك أن الخزي اليوم الذي أخبر الله أنه يخزيهم فيه ، فيكون تتوفاهم على بابها. ويشمل من حيث المعنى من توفته ، ومن تتوفاه. ويجوز أن يكون الذين خبر مبتدأ محذوف ، وأن يكون منصوبا على الذم ، فاحتمل أن يكون مقولا لأهل العلم ، واحتمل أن يكون غير مقول ، بل من إخبار الله تعالى. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون الذين مرتفعا بالابتداء منقطعا مما قبله ، وخبره في قوله : فألقوا السلم ، فزيدت الفاء في الخبر ، وقد يجيء مثل هذا انتهى. وهذا لا يجوز إلا على مذهب الأخفش ، فإنه يجيز : زيد فقام ، أي قام. ولا يتوهم أنّ الفاء هي الداخلة في خبر المبتدإ
__________________
(١ ـ ٣) سورة آل عمران : ٣ / ١٩٢.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٩٧.