وراح قسم من طرش الدريعي وعربه ، لأنه حين دخل الليل ، انهزم عرب مهنا بقسم من الطرش ولم يرهم أحد. وقتل عدد من العسكر العثماني وغنم عرب الدريعي سلاحا وخيلا وحوائج حتى قلابق (١) الدالاتية. وقتل من عرب الدريعي اثنا عشر فردا فقط ، الواحد منهم ٢ / ٣٩ ابن أخت الدريعي وهو شاب عظيم ، تحصرت عليه كل العرب وبكت ، / وزرع قتل هذا الشاب عداوة في قلوب العربان ، وبنوع خاص في قلب الدريعي لمهنا ، واستقام سحن ثلاثة أيام في بيته (٢) ولا يأكل من جراء قتل هذا الشاب الذي فقد ، وحلف أن لا بد أن يقتل ناصرا ، أولا ليأخذ ثأره منه ، وثانيا لأجل طفي النيران التي اشتعلت بين العربان.
ثم بلغنا خبر أن ناصرا وأباه ذهبا لدمشق ليشكيا حالهما إلى الوزير ، ويحضرا العساكر لطرد الدريعي من الديرة. فاضطر الباشا أن يكتب المكاتيب إلى قبائل حوران وبلاد الجليل ، وألزمهم أن يكونوا في إعانة مهنا وطاعته ومساعدته على الدريعي ، فبعض القبائل دخلت في طاعة المهنا لا خوفا من الباشا ولكن محبة ببيت ملحم ، وبعضها عملت عكس ذلك والتحمت مع الدريعي نكاية بالباشا. وانقسمت العربان إلى قسمين ، وكل يوم تقع غارة وحروب حتى عجزت الحكام عن تلك الفتنة ، وأتت القبائل من البرية فمنها من كان مع الدريعي ومنها من كان مع مهنا ، واشتعلت النار وانتشرت في برية عربستان (٣) حتى انقطعت السابلة وامتنعت القوافل عن السفر.
ثم رحلنا ونزلنا في مكان يقال له القمقوم يبعد يومين عن القريتين. وهناك ركب سحن ثاني يوم وغزا قبيلة مهنا. فبعد ذهابه بيومين حضر عندنا غزو كبير من عرب مهنا ، وكان عقيدهم أي صاري عسكرهم فارس بن مهنا ، وغنموا من عندنا مئتين وعشرين جملا. ولم يلحقهم أحد لأن الطرش كان يرعى بعيدا عن البيوت نحو ساعتين حسب العادة ، وكانت الخيل أكثرها مع سحن. وحدث بعد يومين أن عاد سحن وهو كسبان من عرب مهنا مئتين وعشرين جملا ، الشيء الذي يكاد لا يصدق أن يكون الكسب نفسه لا أكثر ولا أقل. وحكى لنا سحن أن ما طلبهم أحد لأن الخيالة كانت مع ناصر. النتيجة كما صار فيهم صار
__________________
(١) قلابق ، مفردها قلبق : «عمرة تقوم مقام الطربوش ، تتخذ من جلود صغار الخرفان ، وكانت هذه العمرة في الأصل من الفراء» (العزيزي ، قاموس ، ج ٣ / ص ١٠١).
(٢) «محصورا».
(٣) «عرب بستان».