فرجعنا إلى البيوت وأنا أفكر كيف سأجد طريقة حتى أقول ذلك للدريعي ، ومن أي باب يجب أن أدخل عليه. فافتكرت أن عندنا ألعابا من نار الهوا ، مثل صوفة تشعلها فتطق ، ومكتوب تفتحه فيطق أيضا ، وقنينة ملآنة نار هوا فوسفور ، ومن هذه الأشياء معنا بكثرة في آلة الزعبرة (١). فقلت للشيخ إبراهيم : أريد منك الليلة أن تعمل لنا بعض الألعاب في نار الهوا. ولما كان المساء أخرجنا من صندوق الزعبرة بعض الأشياء من التي ذكرناها ، فتعجب العربان من ذلك لأنهم لم يروا بعمرهم مثل هذه الأشياء ، ومن طبعهم الغشم الطبيعي (٢) ، حتى طارت عقولهم من رؤوسهم فصاروا يعتبروننا جدا ويكرموننا ونشعر أننا في نظرهم مثل الأولياء ونستطيع أن نفعل العجائب. وصاروا يتذاكرون ثاني يوم بذلك ، وشاع هذا الخبر بينهم حتى صارت العربان تأتي خصوصا ليرونا. حتى أن الدريعي قال لي : يا عبد الله ما هذه الأمور العجيبة التي فعلها معلمك الليلة البارحة؟ فقلت : يا سيدي إنك لم تر شيئا من مهارته ، هذا معلم جليل ويقدر على أمور كثيرة أصعب من هذه ، واعلم أن هذا الرجل ، بوساطة معرفته وعلومه العميقة ، يستطيع أن يجعلك سلطانا على كامل العرب ويملك الدنيا. واعلم يا دريعي أن سعدك كبير ورزقك كثير وعلى وجهك فتوحات عظيمة. واعلم أن معلمي رأى ذلك من دلائل نجم أبو ذنب الذي ظهر بالشمال. (وذلك لأن قبل سنتين طلع نجم أبو ذنب من طرف الشمال). فهذا نجمك وخاص بسعدك ، فإن عملت (٣) بما ١ / ٤٢ يقوله لك بواسطتي (٤) لا يصير أكبر منك / بين أبناء جنسك ، وتنال درجة عالية لم ينلها أحد من العرب قبلك. فانشرح من كلامي ودخل في عقله لأن من طبعه يحب التكبر والمكسب والتقدم ، كما هو طبيعي في كل إنسان ، وثبّت كلامي إذ قال : صدقت يا عبد الله فيما قلت لأني كنت رأيت مناما من زمن [بهذا المعنى ، فرأيت] أن شرارة من نجم أبو ذنب قد سقطت على بيتي واحرقت جميع ما فيه ، وأنا امسكت الجمرة بيدي وما أحرقتني. وبالحال صاح على امرأته فشهدت بذلك ، لأنه كان قصّ عليها هذا المنام في الليلة التي رأه ، وتحقق عنده أن سعده عظيم لأنه ما نوى قط على أمر إلا ناله ، وتأكد له الآن أن له توفيقا عظيما لا مثيل له. ثم قال : يا عبد الله مهما يقول معلمك وأنت على رأسي وعيني وإن شاء الله يكون قدومكم خيرا علي.
__________________
(١) الشعوذة.
(٢) سلامة الطوية.
(٣) «طعت».
(٤) «عن يدي».