فأعلمت الشيخ إبراهيم بجميع ما جرى ، فأعجبه ذلك جدا وأصبح مسرورا تماما. وثاني يوم أرسلنا وأحضرنا رزقنا من القريتين وأهدينا الدريعي أشياء يكون مسرورا بها ، وأهدينا أيضا أولاده ونساء أولاده وأكابر العربان ونساءهم فأصبحنا معزوزين جدا عندهم. وذلك كان من نوع التدبير ، لأن الدريعي أولا من طبعه حب المكسب والهدايا ، وثانيا ليتأكد أن ما هو مرادنا أن نكسب منه لكي لا يظن أن دخولنا عنده لأجل الكسب ، بل ليتحقق أن مرادنا ربحه وكبره فقط ، ولم ندخل عنده لأجل طمع. فزادت كرامتنا ومقامنا عنده حتى أنه كان لا يدعنا نأكل بالديوان مع الضيوف بل عند الحريم ، أكلا ممتازا معدا لنا ، مع امرأته ونساء أولاده وهو معنا بعض الأحيان. ويقال لحرمته سكر بنت هدال من أكابر العربان ، أخوها كيخيا الوهابي ، يقال له عبد الله الهدّال.
ثم كان عند الدريعي واحد قبيسي (١) من القبيسة (٢) ، وكان بياعا على حسب عوائد أهل القبيسة (٣) ، هذا عملهم ويوجد منهم عند كل قبيلة عربية ، ومن طبعهم الطمع والحسد والغيرة. فرأى هذا الرجل أننا معزوزون عند العرب بهذا القدر ، وأننا نبيع بضاعتنا ٢ / ٤٢ بنصف ثمنها (٤) / وأكثرها ببلاش (٥) ، فدخلت عليه الغيرة والحسد ، وابتدأ يعمل ما بوسعه ليخرب أشغالنا ويكرّه فينا العرب ، وإن استطاع يقتلنا ، إذ لم يعد له سبب ليتقدم أو يبيع رزقه ولم يبق له إكرام عند الدريعي أو عند العرب كالسابق ، لأن المذكور كان يوكله بكتابة المكاتيب وببعض أشغاله ويكرمه بالمال نظير خدماته ، فانقطع عنه جميع ذلك ، ولم تبق له قيمة عند الدريعي ولا عند العرب ، فازداد غيرة منا وعداوة لنا. وكان اسمه عبسي ، وهو رديء الطباع ، شنيع الأفعال ، حقود غيور حسود ملعون لا يتصف. فابتدأ يتكلم ويفسد العرب علينا ، ويعطل أمورنا ، ويقول عنا أننا سحرة جئنا نخطف بنات العرب ، ودخل ذلك في عقول البنات حتى أنه كلما رأتنا فتاة تهرب منا. وابتدأ أيضا يدخل في عقول النساء أيضا أننا سحرة ، نريد أن نفسد قبائل العرب ونكره الرجال بالنساء ، ونقطع نسلهم حتى نملك ديرتهم والبلاد للأفرنج. فشاع هذا الخبر حتى أن في ذات يوم ، إذ كنّا مارين على بيت أحد العربان ،
__________________
(١) «قبيسي» ، ويقول الصائغ في كتابه «المقترب» : هو البائع الذي يحضر عند البدو ، من اسم بلد في طريق بغداد اسمها القبيسة.
(٢) القبيسة وهي غير القبيصة ، «بالفتح ثم الكسر ، قرية من أعمال شرقي مدينة موصل» (معجم البلدان).
(٣) القبيسة وهي غير القبيصة ، «بالفتح ثم الكسر ، قرية من أعمال شرقي مدينة موصل» (معجم البلدان).
(٤) وضع الصائغ في أعلى هذه الصفحة : «نمرة ٦».
(٥) دون ثمن مقابل ، بلا شيء.