خرجت لنا عجوز وبيدها عصا (١) وهجمت علينا وقالت : والله العظيم إن قربتم من بيتي كسرت رؤوسكم بهذه العصا ، جئتم لتخطفوا بنتي وتفسدوا رجالي علي ، فضحكنا من عقلها وابتعدنا عن بيتها وفهمنا أن [كلامها من نتائج] شغل عبسي القبيسي. ولم يزل هذا الخبر [ينتشر] حتى وصل إلى الدريعي ، فاغتاظ جدا واحمرت عيونه وقال لي : لماذا يا عبد الله لم تحك لي حتى أقتل هذا الكلب ونخلص من هذه المفاسد؟ فقلت له : لا يا سيدي لا نريد ضرر أحد ، ولكن إن كنت تأمر وتنفيه من قبيلتك فيذهب إلى بلاده. فحالا أرسل وأحضره ونبّه عليه أن يسافر حالا من قبيلته ، وإن رآه أو سمع أنه موجود في اليوم التالي يقتله ، فقام عبسي وهو لا يرى الدرب من الغيظ ، وحالا سافر وهو لا يعلم إلى أين يتوجه.
ونحن بعد ذلك رحلنا وتقدمنا إلى جهة دمشق (٢) قرب ضيعة يقال لها المعضمية ، ١ / ٤٣ ضيعة كبيرة. فهذه الضيعة تعطي إلى مهنا كل سنة خوة ألف غرش غير مقطوع / فأرسل الدريعي وطلب منهم خوة كل سنة ألف غرش ، كما يعطون إلى مهنا يعطونه أيضا ، فرفضوا ذلك وطردوا المرسل (٣) وتكلموا بكلام غير لائق ، فعاد المرسل وحكى بما جرى. فركب نحو مئة خيال وأرسلهم إلى دائر القرية وأخذوا طرشها. وكان عندهم بالضيعة عبسي القبيسي ، فارتبط معهم ونزلوا إلى دمشق (٤) هو وكبار الضيعة وذهبوا عند التفنكجي باشي يقال له السقا (٥) أحمد آغا كركتلي ، لأن المذكور كان طيب على عبسي (٦) ، وقالوا له : يا سيدي يوجد عند الدريعي اثنان من الإفرنج جواسيس (٧) ، وهما اللذان يدبران الدريعي ويعلمانه على هذه المفاسد ، ومرادهما أن يكبرا شأنه ويمتلكا البلاد بواسطته [لتسليمها] للأفرنج. فصدق التفنكجي باشي ذلك وذهب حالا عند الوزير ، وكان يومئذ والي الشام سليمان باشا (٨) والي عكا ومعه المدبر الجليل المعلم حاييم اليهودي (٩). فحين عرض ذلك على
__________________
(١) «عصاية».
(٢) «الشام».
(٣) «وقلّعوا المرسال» أي الرسول.
(٤) الشام.
(٥) كذا.
(٦) كذا ، وفي اصطلاح البادية : طيّب على فلان معناه صالحه ، والظاهر من سياق الكلام أن الصائغ يريد أن يقول : عزّاه أو أخذ بخاطره.
(٧) «دواسيس».
(٨) من أصل كرجي مسيحي ، وكان يحترم كافة الأديان.
(٩) حاييم فارخى كان متسلما شؤون الخزينة في أيام الجزار ، وكان الأمير يسومه أحيانا ألوان العذاب. وبعد وفاة