مسامع الوزير صدّق ، وانشغل خاطر المعلم حاييم بهذا الأمر. وبحسب أمر الوزير كتب حالا بولردي مشددا إلى الدريعي وأرسله مع جوخدار. وإذ نفذ علينا البولردي مع الجوخدار المذكور. فأخذه الدريعي وقال لي : اقرأ ذلك ، فقرأت وكان مشددا جدا بهذه الألفاظ : افتخار الأمراء والمشايخ الدريعي ابن شعلان زاد مجده. المنهى إليكم قد طرق مسامعنا ما قد صدر منك من الأفعال الشنيعة والطغيان ، وقد خربت هذه الديرة ودمرت عربانها وأهلكت رجالها ، لا سيما أنك تجاسرت وقتلت ناصر المهنا محسوبنا (١) ، الذي كان نافعا إلى بابنا ومهتما بأمور الحكام ومنفذا لمصالحهم ، وخربت قبيلته وغيرها من القبائل الطائعة لنا. وتريد برأيك الفاسد امتلاك ديرته بقائم سيفك حتى أنك اتصلت بالقرى التابعة لا يلتنا (٢) وطلبت منها الخوة [وتريد] بلصها (٣) وتغير عليها وتنهبها ، ولا زلت تزيد في غيك الردي. وجميع ذلك قد صار معلوما لدينا أنه ناشئ من شخصين من الإفرنج الكفار موجودين عندك ، وهما ٢ / ٤٣ اللذان يدبّرانك على هذه الدروب الشنيعة الراجعة إلى خرابك ، ومنتهى حياتك ، وتطهير / الأرض منك ومن كافة من يلوذ بك. فالمراد حال وقوفك على مرسومنا هذا أن ترمي القبض على الأشخاص الذين عندك وترسلهم مع الجوخدار مصطفى آغا تابعنا ، حتى نقاصصهم على تجاسرهم ونجعل قتلهم شهرة. وأنت بالحال ارحل وارجع إلى ديرتك وردّ جميع ما أخذته من عربان ديرتنا ومن ضيعة المعضمية ، وإن عاندت حسب طبعك ، لا تسأل عما يجري عليك من الأهوال الجسيمة وتندم حيث لا يعود ينفعك الندم ، والحذر من حركات المخالفة ، اعتمد ذلك.
فحين خلصت من قراءة البولردي نظرت إلى الدريعي ، فرأيت وجهه أعتمّ (٤) ، وصارت عيونه حمراء ، ودخل عليه الغيظ والحنق ، ونهض قائما وقال للجوخدار : وحق من رفع السموات وبسط الأرض ، لو لا يكون [ذلك] خرقا للعوائد الجارية ، لكنت قتلتك وربطت رأسك بذنب حصانك وأرسلتك إلى وزيرك بدمشق. قم واركب بلا تكثير كلام. صحيح أنا عندي شخصان غريبان ، إلا إني لا أسلمهما إلا بعد موتي. فإن كان وزيرك قادرا أن
__________________
الجزار وتعيين سليمان باشا واليا على عكا ، أسندت ، من جديد ، إدارة الخزينة إلى المعلم حاييم.
(١) أي صنيعتنا.
(٢) ولايتنا ، أو إيالتنا ، أكبر وحدة إدارية في العهد العثماني.
(٣) أي ابتزاز أموالها.
(٤) من العتمة ، أي أظلم.