إذ أقبل الدريعي وكامل من معه. فركضنا نحن وركب جميع من بقي من الرجال ، واستقبلناهم بلعب خيل وإطلاق النار (١) والزلاغيط ، إلى أن وصلوا. فنزلوا وسلمنا عليهم وحكوا لنا أنهم لحقوا بهم بعد ستة أيام في أرض يقال لها حذملما ، شرقي تدمر لناحية القبلة ثلاثة أيام ، على حسب ركض العرب. وكانوا بمقدار عسكر الدريعي وعقيدهم رجل صاحب صيت (٢) عظيم وفعل جسيم يقال له أبو نقطة ، إنسان من جملة طباعه حين ينزل إلى القتال أنه يشلح عاريا (٣) ويتزنر على القميص ويشلح أكمامه فيبقى مستترا من الزنار وما تحته وأما سائر جسمه فيكون عاريا مكشوف الرأس ، حافي الرجلين ، وهو أسود غامق السواد ، جسيم بمقدار ثلاثة أفراد (٤) ، شعره منفوش لم يحلقه قط ، كبير اللحية تصل إلى بطنه ، النتيجة تفزع منه الجن ، وأكثر عربانه قريبون من هذه الصفات (٥).
ثم التحم القتال بينهم واشتد الحرب ، وطار العفار (٦) والغبار ، واستقاموا ثماني ساعات على هذا الحال. ثم انكسر أبو نقطة وتفرقت عربانه ، وانتصر الدريعي بعون الله ، وأخذ جميع ما أخذوه من الكسب من قبيلة ولد علي وأتى به معه ، وجاء أيضا بخمسة وثلاثين فرسا كحايل (٧) ، كسبها جميعا من عرب أبو نقطة. وقتل من عربنا اثنان وخمسون نفرا ، ومن عرب أبو نقطة نحو مائتي نفر. وهج المذكور مع باقي عربانه في نواحي بلاد نجد ، وشاع خبر هذا الانتصار حتى وصل إلى سليمان باشا في دمشق ، فسرّ جدا وحالا أرسل فروة وسيفا إلى الدريعي ، مع بولردي يحمده ويشكره به على فعله هذا ، لأن الباشا وأهالي ديرة الشام كانوا خائفين جدا من الوهابي ، وخصوصا من صيت أبو نقطة.
وبعد ذلك رحلنا ونزلنا بأطراف بلاد حوران ، وحصل لنا إكرام زائد من دوخي ابن اسمير ، أمير قبيلة ولد علي ، لأن الدريعي ردّ عليهم جميع ما أخذ منهم أبو نقطة. وتخاوى دوخي مع الدريعي ، وجاء مشايخ القبائل وقدموا الطاعة وارتبطوا جميعهم معنا ضد الوهابي ، ١ / ٤٨ وصار رباط عظيم في / حوران مع كامل العشائر ، إلا مع بني صخر والحسنة.
__________________
(١) «قويصات».
(٢) «سيط».
(٣) «بالظلط».
(٤) «أزلام».
(٥) ذكرنا في المقدمة أن أبا نقطة مات قبل هذا التاريخ ، قتله الشريف حمود قائد عرب اليمن سنة ١٨٠٩.
(٦) عفر وعفر ج أعفار : التراب ؛ أعفار وعفار رمال بالبادية ببلاد قيس (القاموس المحيط).
(٧) كحيلات.