ثم ثاني يوم نفذ علينا شيخ علم من دمشق : دنبكية (١) كبيرة خضراء في رأسه معصوبة بمنديل ، ثيابه بيضاء ، في رقبته مسابح ، عيونه مكحلة ، كبير اللحية (٢) ، في زناره محبرة (٣) وعبه ملآن من الكتب ، وهو راكب على بغلة وفي يده حربة. فدخل بيت الدريعي وسلّم على المذكور وعلى جميع الحاضرين وأخذ يتكلم بأمور الدين ، ويرشدهم ويزرع في قلوبهم الرفض والورع ، وهذا شيء يخالف طبائع العرب لأنهم لا يريدون أن يتكلموا بأمور الدين ، وعندهم جميع الملل بالسوية ولا يسألون قط أحد عن دينه ، وعندهم الجميع (٤) خلقة الله وحالهم واحد. وهذه أحسن الخصال التي وجدناها عند العرب ، لأنه إلى اليوم لم يسألنا أحد أأنتم إسلام أم نصارى ، ولكننا نحن في أثناء الحديث نقول أننا نصارى ، ولو كانوا مترفضين وعندهم توريع (٥) مثل أهالي المدن ، لما كنا استطعنا أن نعيش معهم يوما واحدا.
ثم قمت من المجلس ورحت إلى خيمتنا الصغيرة وكلمت الشيخ إبراهيم عن هذا الشيخ فتأذى منه ، وبعد ساعة من الزمن رجعت إلى المجلس ، وحسب عوائدهم نحوي نهضوا جميعا واقفين ، وقام أيضا الشيخ الغريب. وبعد جلوسنا استخبر من أحد العرب الذين كانوا قريبين منه عني ، فأخبروه أنني نصراني كاتب عند الأمير. فنهض قائما وقال : لا يجوز في دين الله أن تقوموا واقفين لنصراني كافر عدو الدين ، فأنتم جميعكم إلى نار جهنم ، ونساؤكم طوالق منكم بموجب شريعة سيدنا محمد شرّف الله ذكره. فبعد هذا الكلام نهض الدريعي بنفسه وقبض عليه من لحيته وطرحه بالأرض وسحب سيفه يريد ذبحه. فكان بأمر الصدفة أن الشيخ إبراهيم دخل المجلس. فركض وأمسك بيده ورفعه عنه. فقال : إكراما لخاطرك لا أذبحه ولكن وحق ذات الله العزيز لا بدّ من قطع لحيته وهذه الساعة يعود إلى بلده. وركض مرة ثانية وأمسك بلحيته وقطعها بالسيف وأمره بالركوب حالا. فما صدق أنه يخلص بروحه وركب ٢ / ٤٨ حالا وتوجه لبلده. /
ثم بعد ذلك بيومين ، ركب الدريعي وكامل عربانه وراح ضرب عربان بني صخر لسبب : أولا أنهم لم يطيعوه ، وثانيا نكاية بالوهابي ، لأن بني صخر ، كما ذكرنا ، يعدون من
__________________
(١) الدنباكية ، من التركية. عمامة ملفوفة مدورة تدل على بركة حاملها وطهارته.
(٢) «ذقن».
(٣) «دواية».
(٤) أي جميع الناس.
(٥) لعله يريد : الحث على الورع.