لا يعرفوني ، وأنا أضحك بقلبي منهم ، ومررت عدة مرات بالطريق الذي يمرّ أمام بيتنا ، وكل رغبتي أن أرى أخي وإن لم أعرّفه بحالي ، فلم أتمكن من رؤيته ، ولم أستطع أن أعرف إذا كان مات أو مسافرا ولم أثق بأحد لأظهر حالي ، وأسأله عن أخي وعن والدتي المسكينة ، وهي لم ترني منذ نحو سنتين ، ولا عندها خبر مني ، ولم تستلم مني مكتوبا من يوم خروجنا من حلب ، لأن من جملة الشروط التي شرطها الشيخ إبراهيم علي أن لا أكاتب أحدا ولا إلى والدتي ، كي لا يزيع خبرنا بين الناس وتشتهر أمورنا. وبعد ستة أيام أنهيت جميع مطلوبي وتوجهت مع رفقائي العرب إلى الزور ، فوجدنا عربنا نازلين على شاطئ الفرات ، بقرب محل يقال له دير الشّعّار ، وكنا ذكرنا سابقا أن جميع سكانه شعار (١) ، وكان بلدا في السابق وبه عمارات قديمة لم تزل إلى الآن. فسلمت على الشيخ إبراهيم وعلى الدريعي ، وحكيت لهم ما فعلت. فقال الشيخ إبراهيم : حسنا عملت ، كنت أخشى أن تذهب وتواجه والدتك ، فتتمسك بك ولا تدعك تعود إلى عندي. ومن المؤكد أن والدتي لو رأتني لما دعتني أعود قطعا. ولعلمي بذلك عملت كل جهدي لكي لا يعرفني أحد ، ولا أنا عرّفت بحالي.
ثم وجدت أناسا كثيرين عند العرب ، من أهالي حلب وحماة وحمص والمعرة وسرمين وإدلب وكلّز وعنتاب ، ومن كل ايلة حلب وغيرها ، وهم يشترون جمالا من عند عربنا ومعهم بضائع : ملبوس ومأكول ، من مشالح وجزمات وكوفيات وقمصان خام سميك وسروج خيل ، وعدد خيل وقمصان قزّ (٢) للنساء ، ودبس وزبيب وتين وتوتون ، أي جميع لوازم العرب. وقد فتحوا سوقا (٣) عظيما وهم يبيعون بضائعهم قسما منها نقدا وقسما منها بالمقايضة (٤) ، ٢ / ٤٩ ويشتروا جمالا لأجل التحميل. / وبيع أغلى جمل بماية غرش. وأما بخصوص العملة التي يتعامل بها العرب فإنهم لا يرضون إلا بالعملة الفضية (٥). وأكثر ما هو مقبول عندهم الريال الفرنجي. وإذا كانت قطعة العملة قيمتها خمسة غروش إلا ربع ، كما هي الحالة بالعملة العثمانية ، فإنهم ، لكي لا يغلطوا بالحساب ، يقبضونها بالتمام ، ولو أخذوا قطعة العملة بزيادة
__________________
(١) شعراء.
(٢) حرير.
(٣) «بازار».
(٤) «داكيش».
(٥) «عملة بياض».