أرسل من قبيلته رجلين كبيرين بالسن (١) ، أحدهما عمه وآخر غريب ، وحملهما كلاما وسارا مع خيالنا. ثم وصلا إلينا وطلبا خلوة. فاجتمعنا خارج البيت على حسب العوائد. فقالا : يا جماعة كلما ذكرتم لنا هو حق وصحيح ، ولكن حمود التامر ليس رجل حرب (٢) مثلكم. صحيح أنه من العرب ، ولكنه مستقر لا يتزعزع وأنتم لستم عنده دائما ، ويخاف من شر الوهابي على حاله ورجاله ورزقه. فقال الدريعي : حمود ، بفضل الله ، قوي بقوة الله ورجاله. وهو لا يحسب حسابا لغزو ابن السعود. فالوهابي لا يحضر بنفسه بل يجيء من طرفه غزو فقط. وأكثر ما يكون خمسة آلاف. وعلى ظني أن حمودا لا يأكل (٣) همها. وإن شاء الله أني سأقطع أخبار غزو الوهابي من هذه الديرة. فأنا وكامل من يلوذ بي من العرب معه على الخير والشر حتى الموت. ولكن إن خالف فأنا وجميع من اتّحد معي خصومه إلى الأبد. فليطلع عند عبادين الشيطان ويلوذ بهم (٤) ، ويستعين بكل الشياطين ، وأنا بعون الله ١ / ٥٥ انتصر عليه وسوف يندم على ذلك. /
فبعد كلام كثير ، من الدريعي بالتهديد ، ومنّا باللين ، قالوا : نحن ليس معنا تفويض بإعطاء جواب ، يجب أن نخبر حمودا بجميع ما ذكرتم ، وهو يفعل ما يستحسنه. وبالحال ركبوا ورجعوا عند حمود وكلموه بجميع ما سمعوه. فخاف من ذلك وحسب حسابا كبيرا للدريعي ، ثم أرسل ابن أخيه ، وهو شاب متكلم يقال له صقر ، وبصحبته عشرة خيالة ، كي يدعونا للذهاب عنده. فوصل المذكور واستقبلناه بكل إكرام ، فدعى الدريعي ومن يلوذ به وكل الكبار الموجودين في القبيلة إلى ضيافة عمه الأمير حمود التامر. فركب الدريعي وأولاده وكل الكبار والشيخ إبراهيم والفقير ، وركب معنا ثلاث مئة (٥) خيال وتوجهنا عند المذكور. فركب هو وكبار قبيلته ولاقونا من نحو نصف ساعة ، وصار لعب خيل وفرح.
ثم نزلنا عن الخيل فعملوا (٦) معنا كل معروف وإكرام وذبحوا ثلاثين رأس غنم وخمسة جمال وابتدأوا يعدون المآكل. وجلسنا نحن وسلمنا على حمود التامر ، وهو رجل ذو حسن
__________________
(١) «اختيارية».
(٢) «نزال».
(٣) «يهكل».
(٤) «يحاصر عند عبادين الشيطان».
(٥) بالأصل خمس مئة ثم أبدلها الصائغ بثلاث مئة.
(٦) «فساقو».