وشجاعة ومعرفة جيدة. فاختلينا مع المذكور وصرنا نتفاوض ونتكلم كثيرا. ففهمنا نيته وهو أنه يريد هذا الأمر ، ولكنه يخاف من تقلبات العرب. فهو يقول : إن العرب ليس لهم رباط ثابت ، وأخاف أن تتغير نواياهم ويفسد الرباط ، فأولا يكون نصيبنا الخجل ، وثانيا يشتد علينا من جديد ساعد العثماني والوهابي وتحرقنا نارهم. فأكدّنا له أن هذا الشيء لا يحصل لأننا عملنا رباطا عظيما ، بالشروط الواجبة ، وسوف يطّلع (١) عليها ويرى أن الرباط متين ، لا يستطيع أحد أن يخون من جميع الذين يدخلون معنا على هذا الرأي. فوثق (٢) بهذا الكلام وأعطى القول إنه سيحضر عندنا ويسمع [ما هو مكتوب] بالورقة ويضع ختمه عليها.
فقمنا من الخلوة مسرورين كافة ، وكان حضر طعام الغداء فوضعوه بالسهل ، أمام البيت ، في خمسة مناسف من النحاس ، كل واحد منها يستطيع أن يجلس فيه أربعة أنفار ، عليه من الأرز بعلو نحو ذراعين ، وفوقه خاروف محشي. ولكل منسف أربع آذان من نحاس. وحين وضع على السّفرة (٣) حمله أربعة عبيد. والشخص الذي يكون أمامك على السفرة ٢ / ٥٥ لا يراك ولا تراه / من علو الأرز وكثرته ، لأن الأرز عندهم كثير وهم يستوردونه من مرعش وملطية حيث ينتج بكثرة. وخبزهم من الحنطة ممتاز ، ويستوردون حنطتهم من بلاد الرها ، لأن الحبوب تطلع كثيرا في بلاد الرها أعني ديار بكر وغيرها.
ثم بعد الغداء وكان قرب المساء ، ابتدأت الطروش بالإياب ، من جمال ونوق وغنم وجواميس (٤) وخيل ، وأشياء لا توصف. فيطلع عندهم سمن وصوف وجمال يبيعون [منها] إلى بلاد الرها بمبالغ عظيمة. وأما نساؤهم فجميلات جدا ، ولباسهن أفخر من ملابس عرب عنزة : في أيديهن أساور فضة وحبال مرجان وحبال كهربا (٥) وفي أذانهن أحلاق فضة أو ذهب ، وفي أنوفهن خزائم (٦) من ذهب أو فضة أو نحاس ، [ويلبسن] القنابيز من القطن والحرير (٧). وكذلك لباس الرجال أحسن من لباس عرب عنزة. وكل ذلك من الخيرات التي تطلع عندهم.
__________________
(١) «وسوف تسمعهم».
(٢) «متأمن».
(٣) «الصفرا».
(٤) «جاموس».
(٥) «كاربا».
(٦) «خذامات».
(٧) «قنابيذ قطني حرير».