فأتى إلى عندي وبصق بوجهي وقال : يا كافر أي موتة تريد حتى تموت (١) بها. فكان جوابي روحي ليست بيدك. فإن كانت انتهت حياتي فإني أموت ، وإن بقي لي عمر بالدنيا فلا أنت ولا غيرك يستطيع أن يأخذ نقطة دم مني. إني فهمت أن كل ذلك تدبيرك فالله كريم. / وكان يوقد نار الحقد ويدور بين العربان يوشي بنا ويعظم الشر ومراده قتلي. فاستقمت على هذا الحال أربعا وعشرين ساعة مقيدا من غير أكل ولا شرب. فعظمت عندي المادة وضاقت بي الدنيا. وكان كل بدوي من نساء ورجال وأولاد يأتي ليراني في هذا الحال وكل واحد منهم يعمل لي عملا قبيحا.
فبعد / / أربع وعشرين ساعة اجتمعت المشايخ عند مفضي ابن عيده. فتحسن عندهم الرأي أن يبقوني عندهم ، فأطلقوني وأحضروني أمامهم وقالوا : كنا قادرين على قتلك ، ولكننا نهبك دمك إذا كنت تحكي لنا على الصحيح ما هي نيتكم؟ وما هو السبب في تدبير كل هذه الأمور؟ وإلى أي غايات تسعون؟ وما هو مرادكم من ذلك؟ فابتدأت أتكلم محاولا التمويه عليهم (٢) قائلا : إن ذلك لأجل راحتكم وحريتكم وخلاصكم من ظلم الوهابي. فكان جوابهم : وإذا نحن خلصنا من ظلم الوهابي وصرنا ممتلكين ذاتنا أحرارا في أنفسنا فما هي الفائدة لكم من ذلك. فقلت : نكون قد فعلنا خيرا معكم وعملنا جميلا. فقالوا : هذا شيء لا أصل له. نريد أن نعرف حقيقة نيتكم التي أنتم من أجلها مهتمين بهذا الأمر كل الاهتمام. فإن رأينا الشيء مناسبا ، صرنا معكم على الخير والشر وإن لم يرضنا أطلقنا سبيلك وأرجعناك إلى محلك من غير ضرر لك كليا. ونحن قادرون بعون الله على كسر الدريعي وطردكم (٣) من هذه الديرة. فقلت : يا جماعة ليس معي إذن أن أتكلم معكم بشيء ابدا // (٤) ، وذلك لأني رأيت عين الغدر منهم ، بوساطة عبسي ، لأنه يريد قتلي بلا شك ، وهو يعمل كل جهده لذلك ، فما رأيت مناسبا أن أتكلم معهم بحقيقة مرادنا أولا بسبب وجود عبسي العدو الذي يعمل ما بوسعه لخرابنا ، ثانيا وجود الشيخ برجس ابن أهديب الذي هو صهر عبد
__________________
(١) «أموتك».
(٢) «بالمحاولات».
(٣) «وتهجيجكم».
(٤) قد وضع الصائغ خطا على كل هذا المقطع الذي بين خطين / / كما لو كان يريد حذفه بنوع أننا لا نعلم إذا كان المشايخ أطلقوا سراحه ثم أعادوه إلى القيود. فهل اختلق هذا الحادث أم خانته الذاكرة كما يتبادر إلى الذهن لأنه أبقى صفحة ٢ / ٦٥ بيضاء كما لو كان يريد إملاءها بعد مراجعة مذكراته.