للقائنا ولا وقف أحد على أقدامه (١) ، وهذه عادتهم حتى لا يقال عنهم أنهم فرحون بزواج ابنتهم ، بل العادة عندهم أن يظهروا أن ليس لهم رغبة (٢) ويعتذروا من الطالبين.
ثم وصلنا ونزلنا عن خيلنا وسلمنا عليهم فترحّبوا بنا وأمر بركز بالقهوة. فبعد شرب القهوة قال الدريعي : ما لك يا بركز عابس الوجه بنا؟ فإن كان ذلك بسبب الغداء ، فنحن لا نريده ، إذ أكلنا في بيوتنا وجئنا عندك لنراك فقط. فأجابته زوجة بركز بنت هدّال التي حياتي على يدها وقالت : أهلا وسهلا بالدريعي وكامل من معه ، مرحبا بكم ، وأبشروا بالغداء والذي تريدونه حاضر أمامكم. فاستكثرنا جميعنا بخيرها وابتدأ الكلام.
وكانت العروس من خلف النساء تنظر إلى العريس فأعجبها وقالت لأمها : قد أعجبني العريس. فصار لنا علم بأن العريس قد قبل. فقال الدريعي : يا بركز أطلب ببنتك على حسب عوائدنا. فقام ودخل إلى الحرم وشاور امرأته وابنته وطلع وقال : أريد بصبحة مئة ناقة وخمسة رؤوس خيل نجادي (٣) ، وخمس مئة نعجة ، وثلاثة عبيد وثلاث عبدات ، وحساوية مقصبة ، وشملة مقصبة وزبّونا (٤) شاميا يعني قطنيا شاميا ومعاضد كهربا ومرجان أي أساور ، وجزمة صفراء. فقال له الدريعي : إن كنت لا ترغب في زواج ابنتك فعرفنا بذلك كي ٢ / ٨٠ لا نتعب ونتكلم ، إذ يقول المثل : إذا كنت لا تريد أن تعطي بنتك فغلّ نقدها. / والنتيجة ، بعد كلام كثير ورجاء شديد ، انتهى الحال على خمسين ناقة ورأسي خيل ومئتي نعجة وعبد وعبدة وحساوية وشملة وزبّون ومعاضد كهربا ومرجان وجزمة صفراء ، وإلى والدها حساوية وجزمة ، وإلى أخيها كذلك ، وإلى أمها حساوية وشملة. وهذه الأشياء الأخيرة من غير طلب منهم ، لأن العادة أن يقدمها العريس. فقال الدريعي : أكتب يا خطيب الذي صار عليه الإتفاق. فكتبت جميع ذلك في ورقة ووضعنا بها اسماء شهود الحال ، وقرأنا الفاتحة على ذلك. وبعدئذ أتوا بحليب النوق وسقوا جميع من كان حاضرا. وهذا عوضا عن الشرابات التي يقدمها أهالي المدن ، وصار الوعد إلى ثلاثة أيام لإحضار النقد جميعه. ثم بعد الغداء ركب الشباب وصار ميدان لعب خيل عظيم ، والعريس من جملتهم ، والعروس تنظر إلى عريسها وتتفرج على لعبه فأعجبها جدا. فباركنا لهما وتوجهنا إلى عربنا.
__________________
(١) «فما حد لاقا لنا ولا قام على حيله».
(٢) «ما لهم خاطر».
(٣) خيل أصايل نجدية.
(٤) من التركية : نوع من الصدرية بأكمام موشاة.