أحضر معه مالا وافرا لنفقتنا (١). فابتدأنا نتسوق من حماة بضائع تصلح للعرب لكي نشرّق معهم ونكمل مقاصدنا. فاشترينا جميع ما يلزم لنا من الحاجات ودبرنا كل شيء وأصبحنا مستعدين وإذ وصلني كتاب من عند والدتي (٢) تخبرني فيه بوفاة أخي وليس لي غيره من الأقرباء ، ومضمون الكتاب أولا وفاة المرحوم أخي في مدينة بيروت حيث توفي غريبا بالطاعون ، وثانيا تشكي لي حالها من ألم حزنها على أخي واحتراق قلبها علي ، لأنها بغير خبر مني ولا تعلم إذا كنت مت أو لم أزل حيا ، وتشرح لي وحدتها ووحشتها إذ لم يبق لها أي ملجأ تستأنس به ، فليس لها من طرف أهلها ولا من طرف والدي أحد على قيد الحياة (٣) ، فلم يبق من عائلتها أحد حي سواها ، كما لم يبق من عائلة أبي غيري. فمن شدة حزنها ووفاة أخي وفقدي اعتراها مرض سرساب (٤) ، كمثل الجنون ، وبقيت ساهية (٥) بالبلد. ففكر أيها ١ / ٨٤ القارئ في أي حال أصبحت حين قرأت هذا المكتوب / وأي حزن وغم أحاقا بقلبي ، فأخذت بالبكاء والنحيب بسبب هاتين المصيبتين ، فتارة أفكر بفقد أخي الوحيد ، وتارة أفكر بأحوال والدتي الحنونة. فأقمت ثلاثة أيام بالعويل (٦) والبكاء ليلا نهارا من غير أن يدخل الزاد إلى فمي كليا ، فترجيت الشيخ إبراهيم أن يسمح لي بكتابة مكتوب إلى والدتي كي أبرد قلبها نوعا ما فما سمح ، إذ خاف أن تحضر إلى حماة قبل سفرنا وتعطل أشغالنا. وأخيرا من بعد رجاء عظيم سمح لي أن أكتب لها مكتوبا في اليوم الذي سنذهب عند العرب لنشرق معهم ، إذ نكون عندئذ قد غادرنا حماة وذلك لكي لا تحضر عندنا ، فاعتمد رأينا على ذلك.
فبعد جميع هذه الأمور ورد إلينا من عند الدريعي أربعة رجال (٧) خيالة واثنان معهما جمال كي تحمل العفش (٨) ، وفرسان فريغان (٩) ، الواحد للشيخ إبراهيم والآخر لي ، إذ
__________________
(١) «خرجية».
(٢) لا يعلمنا الصائغ كيف وصل هذا الكتاب ، مع أن والدته لم تستلم منه أي خبر ، بل أنها تجهل إذا كان ابنها حيا أو ميتا ، كما يقول بعد أسطر قليلة.
(٣) «طيب».
(٤) نوع من السهو والتردد والتحير في الأفكار والأعمال.
(٥) «سابحة».
(٦) «بالجعير».
(٧) «أزلام».
(٨) اللبش.
(٩) «فرغ» ، فرس فريغ : واسع المشي ، سريع (لسان العرب).