العرب ليبدوا رأيهم فيه ، فكتب الشيخ أحمد بن رشيد الحنبلي معلقا عليه : كذب هذا النصراني ولم يصدق في شيء (١). فقبلت المجلة الأسيوية هذا الحكم الصارم ، دون فحص أو تدقيق. وبعد البحث ومقابلة النصوص اتضح لي أن المنتقد ، أي فتح الله الصايغ ، والمنتقد ، أي الشيخ الحنبلي ، كلاهما على صواب ، لم يكذب الأول ولم يخطئ الثاني ، إلا أن الترجمات حرّفت عبارات الصايغ ، وابدلت بعض معانيها ، وأدخلت فيها ما لا وجود في النص العربي الأول ، فأصدر الشيخ الحنبلي حكمه ، وهو صادق ، على كلام لم يقله الصايغ ، وعلاوة على ذلك إن الشيخ الحنبلي وكان في العقد التاسع من عمره ، وقع هو أيضا في بعض الأخطاء ، كما بيناه في الملحق المدرج في نهاية هذا الكتاب.
ومما لا شك فيه أن الصائغ ارتكب أغلاطا فادحة عديدة ، فكتب مكا بدلا من مخا ، وزعم أن قبر النبي في مكة وأن سعودا نهب هذا البلد ، فخلط بين مكة والمدينة. وهنا لك أيضا مجال للشك في صحة الكتاب الذي أرسل به عبد الله بن سعودى إلى الدريعي بن شعلان. ولكن علينا ألّا ننسى أن الرسالة موجهة إلى شيخ بدوي يجهل القراءة والكتابة ، ولعلها صيغت عمدا بأسلوب يفهمه أهل البادية. ولكني أميل إلى الظن أن الصايغ سجّل في مذكراته وصول كتاب من الإمام الوهابي إلى ابن شعلان ، ولما صنّف كتابه ، صاغ الرسالة بإنشائه العامي البدوي. ولا عجب إذا أخطأ في نسب عبد الله بن سعود ، فإن خلطه بين مكة والمدينة يكفي لإظهار قلة معرفته بالأمور العربية.
أجل إن الصايغ لم يكن حريصا على الأمانة التاريخية ، لأنه أراد فقط أن يكتب قصة رحلة ، فنمّق وزاد ، واتخذ أسلوبا روائيا ، فشوّه الحقائق أحيانا. وعلى الرغم من هذه الأخطاء ، فإن في كتابه من الفوائد الجمة ، والأوصاف الدقيقة ، والمعلومات الشيقة الهامة ما يجعله مرجعا لكل من يدرس أحوال البادية أو يبحث عن الدعوة الوهابية ، لأنه تكلم عنها مرارا ، كما تكلم عن عبد الله بن سعود وأحواله. وإني أميل إلى تصديقه عند ما يتحدث عن الدرعية ، لأن الشكوك التي أثارتها هذه الرحلة تضمحل متى عرضناها على محك النقد السليم.
__________________
(١) مجلة العرب ، ج ٣ ، ٤ ، س ١٩ ، ص ١٥٤.