أهمية مذكرات الصايغ
ولكي يكون عرضنا نزيها وشاملا ، علينا الآن أن نظهر محاسن هذا الكتاب. بعد أن نوهنا بمطاعنه. وأول ما يسترعي النظر هو وصفه الدقيق السريع لكثير من الأمكنة ، مما يدل على أنه رآها حقا. ومن ذلك كلامه عن حمّام طبيعي قرب قرية صدد ، قال : «كان مسيرنا أربع ساعات لطرف الشرق منحرف لجهة الشمال ، فوصلنا ووجدنا عمارات قديمة وكثيرا من الخراب. ثم وجدنا مخدعا بقدر غرفة كبيرة لم تزل قائمة ، عمارته على الطريقة القديمة بحجار كبيرة جدا ، تهدّم منها فقط قسم من الحائط من جهة الباب ، فسدّ نصفه. فدخلنا الغرفة ، ووجدنا طاقة من جهة الشرق طولها نحو ذراع وعرضها كذلك ، بناؤها قديم جدا ، ويخرج من تلك الطاقة بخار عظيم بكثرة».
بوسعنا أن نعطي أمثلة كثيرة من هذا النوع كوصفه صدد ، والقريتين ، وآثار تدمر ، ومغارة كبيرة قرب هذه البلدة الأثرية ، وكلامه عن الدرعية وريح السموم. ومن أهم ما جاء في هذا الكتاب هو حديثه عن البادية وتقاليدها وقبائلها ، فهو حديث الشاهد الأمين الذي يتكلم عما رآه وسمعه وعرفه بالخبرة والمشاهدة. وقد تعرض الصايغ لنواح عديدة من حياة البادية ، مثل الرحيل في وقت السلم ، والنساء في الهوادج ، وأمامهن الفرسان الخبيرون بالضرب والطعن ، والرحيل السريع في حالة الطوارئ ، فتجدّ القبيلة بالسير المداوم ، من غير نزول ولا راحة ، بل الأكل على ظهور الجمال والنوم كذلك ، والنساء تعجن وتخبز على ظهور الجمال أيضا. ويتكلم عن مكانة المرأة في المجتمع البدوي وتكريم أهل البادية لها ، وعن الطب البدوي ، والخوة والنخوة والعطفة ، بل إنه يفرد فصلا بتمامه لعادات أهل الوبر ، ويحدثنا مطولا عن مراسيم الزواج. ونعتقد أن الصفحات التي جاء فيها وصف حفلة زواج ابن الأمير برجس من أحسن ما كتبه الصايغ في مذكراته ، ويماثلها بالدقة كلامه عن العادات المتبعة عند البدو حين طلب النجدة. ويصف أيضا الحرب على ظهور الجمال ، ويتحدث عن المعارك مع الوهابيين وعن سلاح البدو يومئذ ، ونعلم أن السيف والرمح كانا من الأسلحة التي