يكثر استعمالها في البادية ، وإن منهم من كان يلبس الخوذة وقميص الزرد ، أما الأسلحة النارية فإن الدراج عندهم البارودة ذات الفتيل.
ومن أغرب ما جاء في مذكرات الصايغ عن أعراف البادية عادة «دفن الحصى» ، ولا يكون ذلك إلا بعد الصلح التام وصفاء القلوب بين خصمين عنيدين وعدوين لدودين طال الخلاف بينهما ، وجرى عليهما من جراء ذلك الأمور العظام. وعندئذ ينسى كل منهما ما مضى ، ولا يطالب بثأر أو مال. ويعلمنا الصايغ كيف تتم عملية دفن الحصى وما هو مغزاها ، إذ شاهد ذلك عيانا بعد أن رضي الدريعي بالصلح مع مهنا الفاضل ، فوصفها ثم قال : فتعجبنا أنا والشيخ إبراهيم (لاسكاريس) من ذلك ، لأننا ما كنا رأينا هذه النكتة ولا سمعنا بها. ويظهر أن هذه العادة طاعنة بالقدم ، إذ تكلم عنها ، كما قلت أعلاه ، شهاب الدين العمري في كتابه : «التعريف بالمصطلح الشريف» (١) ، ووصفها أيضا ابن ناظر الجيش في تثقيف التعريف (٢) ، والقلقشندي في «صبح الأعشى» (٣). ولا نعلم أن أحدا من المختصين بالبادية وأحوالها أتى على ذكرها ، مما يثبت صدق رواية الصايغ. واعتقادنا أنها زالت اليوم ، غير أن ذكرها بقي محفوظا عند بدو الأردن ، فهم يقولون حفر ودفن ، و «حفار ودفان عليهما أدامة إلى يوم القيامة».
ولا يسعنا هنا أن نعدد جميع محاسن كتاب فتح الله الصايغ (٤) ، وفي قراءته أكبر برهان ، لأنه على الرغم من أخطائه التاريخية وميل مؤلفه إلى الغلو ، وثيقة حية عن بلاد الشام وباديته. وهذا الاطراء لا يعني أن صاحبه صدق في كل شيء. فقد يكون زاد في قصة لاسكاريس ونمقها ، ولكنها ليست من مبتدعاته ،
__________________
(١) شهاب الدين العمري ، التعريف بالمصطلح الشريف ، ص ١٦٥ وما بعدها ، القاهرة ، ١٣١٢.
(٢) ابن ناظر الجيش ، تثقيف التعريف ، مخطوطة الاسكوريال ، ورقة ٩٧ و٩٨. انظر أيضا مقالنا بالفرنسية : «دفن الذنوب عند العرب» مجلة تاريخ الديانات ، نيسان ـ حزيران ١٩٥٩ ، ص ٢١٥ وما بعدها ، وأيضا الموسوعة الإسلامية ، مادة «دفن».
(٣) القلقشندي ، صبح الأعشى في صناعة الانشا ، ج ١٣ ، ص ٣٥٢ وما بعدها ، دار الكتب السلطانية ، القاهرة ، ١٩١٨.
(٤) أتينا على ذكر بعض هذه المحاسن في مجلة العرب ، ج ١١ ، ١٢ ، س ٢٠ ، ١٤٠٦ / ١٩٨٦ ، ص ٧٧٥ ـ ٧٩٨.