فكنت راكبا حمارا ، استأجرته من الضيعة وذلك خوفا من الوقوع مرة أخرى. فبعد وصولنا بعدة أيام عند العرب ، إذ وردت أخبار من طرف الوهابي أنه أرسل جيشا (١) عظيما على بر الشام ، ومراده أن يأخذ حماة وحمص واستملاك بر الشام. فضجت الناس من هذا الخبر وحسبت حسابات كبيرة ، وصار الخبر عند الوزير ودخل عليه الوهم ، وكبرت الدعوة في بر الشام ووصلت برد (٢) وأوامر من وزير الشام بالمحافظة ليلا ونهارا واليقظة واستخدام العساكر. وما زالت أخبار الوهابيين تزداد وتشيع الأخبار وتكثر حتى تعبت قلوب الناس من ٢ / ٨٨ هيبة (٣) الوهابي ، وعزم كثير من الناس على الفرار إلى ناحية ساحل / البحر ، لأن صيت الوهابي شنيع جدا ، والمشهور عنه أنه دموي غدار بحاث عن أمور الدين ، فسكرت الناس من هذا الخبر ، حتى أن الوزير أرسل إلى الدريعي يدعوه عنده إلى دمشق لكي يدبرا هذه الأمور. إلا أن الشيخ إبراهيم لم يستحسن أن يذهب الدريعي إلى دمشق خوفا من أحوال العثماني وخيانته ، لأن الوزير جديد من اسلامبول وأطباعه غير معروفة. ولذا كتبنا جوابا للوزير من طرف الدريعي يعتذر عن الحضور لأنه لا يستطيع أن يترك الديرة ويذهب عند الوزير ، خوفا من أن يحضر الوهابي فجأة ، [وجاء فيه] : «أي نعم أن أمر سعادتكم بإرسال فرقة من العسكر معين لنا ، وأنا بحول الله كفاية لحفظ البلاد من غوائل الوهابيين» ؛ وأرسلنا الجواب. وأما الدريعي فإنه ابتدأ بتدبير مهام الحرب لدفع غوائل عرب الوهابي وأضرارهم عن البلاد وعن نفسه. وهو أنه أحضر حالا ناقة بيضاء وسودها بشحّار (٤) الدست ، وربط برقبتها شقة بيت شعر سوداء ، وأركب فتاة عليها وهي لابسة السواد ومسودة وجهها. وأرسل معها نحو عشرة رجال من العرب ، وهي تدور على القبائل وتدعوهم إلى الحضور لمعونة الدريعي. وكانت كلما وصلت إلى قبيلة تقول : «الفزاع ، الفزاع ، الفزاع ، يا أهل الخيل أصحاب المرؤة والنخوة ، يا من يبيض عرض هذه الناقة ويغسل سوادها ، هذه شقة بيت الدريعي المهدد بالخراب. (٥) ، يا أهل الحشيمة والغيرة انهجوا انهجوا (٦) ، ترى ربعكم ذبحهم الوهابي وعدمتموهم ، يا سامعين الصوت صلوا على النبي ، أولكم محمد وآخركم علي». فهذه من عاداتهم حين
__________________
(١) «أرضي».
(٢) «برادي» ، وهو يريد برد جمع بريد.
(٣) «رجت» ، كذا ، ويريد : «رجة».
(٤) «شحوار».
(٥) «المزعم يخرب».
(٦) امشوا على حسب عادات العرب.