نحو ساعة ، لأنهم أتوا بأهلهم ، وكان عدد قبائلهم نحو خمسين قبيلة ، على حسب ما استنتجنا من البيوت ، وكانوا بالحقيقة خمسة وثمانين آلف بيت. واعلم أيها القارئ أن كل ١ / ٩٠ بيت / الأصغر منها فيه عشرون جملا (١) ومن الغنم ما لا يحسب ، ومن الخيل والأولاد والنساء والرجال عدد كبير. النتيجة جاء منهم ما يدهش العقل ، مليونات ، شيء لا يعرف أوله من آخره. فارتج قلب الوزير وكامل من معه من هذه الرؤية المبهرة وأرسل الباشا يدعو الدريعي ليشرب القهوة عنده. فراح المذكور ورأى أن حال الباشا متبدلة وهو خائف. فسكن روعه وشرب القهوة ورجع حالا وأمر بجمع كامل الجمال. فجمعوها حالا وربطوها من أياديها وركبها بالحبال وبرّكوها أمام جيشنا كالمتاريس. وفعلت هكذا كل العربان من عربنا ومن عرب العدو إذ هذه عادتهم ، وحفروا ممرات (٢) بالأرض لأجل أن يختبؤا بها ويحاربوا ، مثل (٣) المتاريس. ثم بعد ذلك عملوا ناقة العطفة (٤) وزوقوها ، ووضعوا عليها هودجا مزوقا بالجوخ والقطني والحرير الأحمر والشراريب والمرايا والودع ، وأدخلوا فيه فتاة محسنة جدا يقال لها أريكة وفصيحة متكلمة ، لأن التي تقعد في العطفة يجب أن تكون أجمل جميع بنات العربان الموجودين وأفصحهن ، فالكلام وجميع الحركة منوطان بها. فهي التي تنخّي الرجال وتشجعهم على الحرب. إلا أن المسكينة تكون في خطر عظيم لأن جميع الضربات والحملات عليها. إذ متى تمكن العدو من أخذ العطفة إنكسر العسكر. ولذا يجب أن يكون الرجال دائما حولها يحمونها في وسط العسكر.
__________________
(١) لا شك أن هذه الأرقام خيالية ، إذ يبلغ عندئذ عدد الجمال وحدها نحو مليون وسبع مئة ألف جمل!.
(٢) «مرور» ، أي خنادق.
(٣) «نعت».
(٤) العطفة (بكسر العين وفتحها وضمها): «ناقة متميزة في شكلها تركبها ابنة الزعيم في أيام الحرب لكي تشجع الفرسان» (العزيزي ، قاموس العادات ، ج ٢ ، ص ٣١٢). وتطلق أيضا هذه الكلمة على الهودج الخاص الذي تركب فيه هذه الفتاة. «وهذه العطفة لا توضع إلا في بيت أشجع العشيرة وأفرسها» (وصفي زكريا ، عشائر الشام ، ج ٢ ، ص ٢٤). وقد رأيتها في الكويت ، عند آل صباح ، سنة ١٩٥٦.