ضرر ، وهي اختلاط الجيش العثماني بنا. فقال الدريعي : وما هو سبب ذلك. فقلت هؤلاء ترك غشماء لا يستطيعون أن يميزوا عربنا من عرب الوهابيين. فحين اشتداد المعارك واختلاط العساكر يمكن أن يروك أنت ويتوهموا أنك من عرب الوهابي فيقتلونك ، لأن العربان جميعهم ، سواء عربنا أو عرب الوهابي ، على نفس الزي والكلام والهيئة ، لا يستطيع أحد أن يميز بعضهم عن بعض ، إنما يعرّفون أنفسهم بالتنخّي. اعلم أيها القارئ أن لكل قبيلة نخوة خاصة تنتخي ٢ / ٨٩ بها وقت / الحرب ، وينادي البدوي باسم قبيلته. فكل واحد من الرولة مثلا يقول : خيّال العليا رويلي ، ومن قبيلة الحسنة يقول : خيال البيوضا حسيني ، ومن الضفير يقول : خيال الحمرا ضفيري ، وهلم جرا جميع القبائل. وكل واحد من المشايخ والأمراء يتنخّى باسم أخته وقت الحرب أو غيره. فالدريعي مثلا يقول أنا أخو ربدا ، إذ كان له أخت اسمها ربدا بديعة في الحسن ، ومهنا يقول أنا أخو فضة ، إذ كان له أخت اسمها فضة محسنة ، وهلما جرا كل الأمراء والمشايخ ، وهذه من جملة عاداتهم. [ثم قلت للدريعي : إن هذا الاختلاط يضر بنا] على الخصوص إذا لا سمح الله وصارت كسرة ، فإنهم يقتلون من عربنا أكثر من عرب العدو. فقال : هذا صحيح ويحصل لنا منه ضرر على أي وجه كان. فرجع إلى عند الباشا وقال له : يكون الجيش بعيدا عنا نصف ساعة. فتضايق الباشا من هذا الكلام ، ولكن ما كان يمكنه أن يغضب الدريعي واضطر أن يخضع لأمره.
ثم خرج الجيش العثماني بكل نظام وتدبير وركب الباشا ودقت النوية وضربت المدافع على حسب هرج (١) العثماني. فحضر ونزل الجيش بعيدا عنا نحو نصف ساعة ، بكل نظام وخيم معتبرة وصيوانات وعساكر مثل التراب من خيل ورجال. فامتلأت أعين الناس من هذه الرؤية ، واطمأنوا على أرواحهم من خطر الوهابي ، وأمنّوا على أحوالهم وشدوا ظهورهم. وأما الدريعي وبقية عرباننا فإنهم كانوا يضحكون منهم (٢) إذ تبين لهم أنهم ليسوا على قدر المادة.
وفي اليوم الثاني من خروج الجيش قام غبار من صدر البرية واعتم الجو من الغبار وظهرت غمامة سوداء كأنها الضّبّان (٣) تمشي على وجه الأرض. وفي قليل من الزمن إذ أقبل شيء يغطي عين الشمس ويجفف النظر. وابتدأ القادمون بنصب البيوت أمامنا ، بعيدا عنا
__________________
(١) «وهرة».
(٢) أي من الأتراك.
(٣) ضبّان ج ضبّ : دويية تشبه الورل ، «وهو أحرش الذنب ، خشنة ، مفقّره ، ولونه إلى الصّحمة ، وهي غبرة مشربة سوادا» (لسان العرب ، مادة ضبب) أو لعله يريد الذبّان أي الذباب.