من طرف النساء. ومضمون الكتاب أنه يشور عليه بالصلح مع الدريعي وينصحه بترك العناد والعداوة ويتعهد له من طرف الدريعي ، بالصفح عن جميع ما مضى ، وعرّفه : «أن ٢ / ٩٤ عبد الله الخطيب قد حضر عندي / لأجل غير أشغال ، ولكن بما أنه عندي صدفة ، فمن المستحسن أن نكسب الفرصة ونجري الصلح على يده ، والصلح أوفق لك ولعربانك». وأرسلنا بالمكتوب حالا.
وعشية اليوم الثاني إذ أقبل ضويحي وبصحبته بعض الخيالة من أقربائه. فاستقبلناهم بكل إكرام وأخذنا نتكلم بالصلح. فكان جواب ضويحي أنا قابل الصلح ، وأعطي كلاما به عن عشيرتي ، ولكني لا أستطيع أن أعطي كلاما عن غير عشائر ، إذ لا يخفى عليكم أحوال العرب وحريتهم ، كل واحد يقود قبيلته. والرأي عندي أن تتفضلوا عندي نهار غد ، ونجمع كافة كبار قبائلنا ونتكلم معهم بما يجب ، وإن شاء الله تعالى يتم الصلح. فاعتمدنا على هذا الرأي.
وركبنا صباح اليوم التالي وسرنا مع ضويحي إلى بيته. فوصلنا إلى نزلهم وكان المنظر يؤلم القلب ، وذلك لأن جميع العربان بالشمس ، من غير بيوت ولا جمال ولا حوائج ، رؤية شنيعة جدا : فراشهم الأرض وغطاؤهم السماء ، وفي النهار يحترقون بالشمس ، ومنهم نحو عشرين رجلا ، وضعوا مشلحا على العصا ، وأدخلوا رؤوسهم فقط في ظله من حرارة الشمس. والنساء والأولاد وكثير من الرجال ومن الأكابر مرتمون بالشمس مثل الحجار ، حتى أن ما كان عندهم شيء يأكلونه ولا يتقوتون به. وكانوا نحو ثلاثين ألف نسمة. فالنتيجة أن قلبي تألم عليهم وكنت مقهورا جدا.
وفي اليوم الثاني أرسل ضويحي يدعو كامل كبار القبائل عنده ، فحضر الجميع وصار مجلس عظيم يضم نحو خمس مئة نفر من رجال طاعنين بالسن ومشايخ وأمراء ومشيرين ، أشكال وأشكال. وكل من يبدي رأيا. فالبعض يريدون الصلح والبعض يريدون أن يتوجهوا إلى نجد ، والبعض يريدون الذهاب إلى جبال شمّر. وكل واحد في هواه يخالف الآخر. فرأيت من الأنسب أن أتكلم معهم بالمليح والكلام اللين عساني أستطيع أن أجذبهم جميعا إلى طرفنا (١). فابتدأت وقلت : اعلموا يا معاشر الناس أنكم الآن ، كما هو معلوم ، قد خرجتم من ١ / ٩٥ حزب الوهابي ، ولا بد أن يكون خاطره قد تغلظ لكم ، إذ لم تذهبوا مع جيشه برفقة صاري /
__________________
(١) «حوفنا».