فبسبب قتل فهراب تحركت عدة قبائل ضد بني طي ، والوهّابي نفسه تصدى لهم ، وكثرت الأعداء وتواصلت الحروب وسفكت دماء كثيرة ، وابتدأ الوهابي بالكيد لهم والغارات عليهم وعلى من يلوذ بهم من القبائل ، وحصل لهم ضيق (١) شديد وتعب كثير وحروب ، حتى اضطروا أن يهربوا ويأتوا عند الدريعي كي يحموا حالهم من نار الوهابي ، لأنهم كانوا سمعوا بالنظام الجديد وبأحوال الدريعي. فحالا جمعناهم وقرأنا عليهم ورقة الشروط فقبلوا بها ورضوا ، ووضعوا ختومهم وأسماءهم بكل قبول ورضى. وهم شطي ابن فارس ، شيخ قبيلة الحماييد (٢) ، عشيرته تحتوي على ألف وخمس مئة بيت ، عوض ابن مطلق ، أمير قبيلة ١ / ٩٨ الضفير ، عشيرته تحتوي على ألفين وثلاث مئة بيت ، وأيضا سلامة ابن براق شيخ قبيلة / العجاجرة ، عشيرته تحتوي على ثمان مئة بيت وأيضا خنكار العليمي ، أمير قبيلة الخزاعل (٣) ، قبيلته تحتوي على ثلاثة آلاف بيت ، وأيضا الحميدي ابن تامر ، أمير قبيلة بني طي ، عشيرته تحتوي على أربعة آلاف بيت.
ومن بعد هذا رحلنا ، وابتدأ التقدم إلى نواحي المشرق بكل قوة ، إذ صار حزبنا كبيرا وازداد جدا ، وتحققنا عندئذ بنجاح أمورنا وإتمام مقاصدنا. ثم قبل وصولنا قريبا من بغداد ضرب العرب قافلة آتية من حلب إلى بغداد ، جميعها من أموال حلب وأموال بلاد الإفرنج ، من جوخ وطربوش ودوده ومرجان وكهربا وخرز وغير وغير. كذلك باعوها للمشترين بأرخص ثمن ، كما باعوا أرزاق القافلة التي نهبوها سابقا. فبسبب نهب هاتين القافلتين قد تحرك وزير بغداد في طلب الأرزاق من العرب ، وأرسل بولردي إلى ضويحي ، شيخ مشايخ فدعان يطلب الأرزاق منه لأن المذكور وعشائره هم الذين ضربوا القافلتين. فحضر المذكور عندنا واستشار الدريعي بذلك ، فكان جواب المذكور : لا تخف وأجب الوزير بكل شجاعة وقساوة. ففعل ذلك وأرسل الجواب. فتغير خاطر الوزير وأراد أن يجهز عساكره على العربان فمنعه المدبّرون ، وأعلموه أن الدريعي تصالح (٤) مع ضويحي ، وهو الآن موجود بالقرب من بغداد ، وبصحبته عربان لا تعد ولا تحصى تضيق بها الأرض لكثرتها ويخشى منها على العسكر الذي سيطلع. فمن هذا الخبر ارتجّ قلب الوزير وما حرّك بعد ذلك ساكنا.
__________________
(١) «ديق».
(٢) ويكتب الصايغ أيضا : الحماميد ويريد الحمايدة.
(٣) «الخذاعل».
(٤) «طيّب على ضويحي» ، طيّب على الفلان ، بالاصطلاح البدوي ، معناه تصالح معه.