سواحل البحر حيث يكون السهل. ونحن كان مسيرنا بالقرب من ساحل بحر الهند ، لأن جبال العجم أكثرها وأكبرها في وسط الطبراق ، ولأن السواحل سهلة أكثر وإن كان مرعاها أقل من الداخل ، فلأجل سير الجمال يجب أن نلحق السهل.
فمن بعد مسيرنا في طبراق العجم اثنتين وأربعين مرحلة كبيرة ، نزلنا بأرض يقال لها الهندوان (١) ، وهناك كان نازلا أمير يقال له هبش ابن معدن ، رجل من كبار عرب ديرتهم ، له قرابة ونسب من الأمير سعد. فحين بلغه قدوم الدريعي ركب وحضر إلى عندنا لأنه كان سامعا بصيته. فخرجنا للقائه ورحبنا به وصارت المحبة بيننا وبينه. وأما هو فإنه رجل أنيس جدا. فأقام عندنا كل ذلك اليوم ، واستخبر منا عن أحوال ديرة بغداد والجزيرة والحماد والوهابي وعربستان (٢). وكذلك نحن استخبرنا منه عن أحوالهم ، وعن الأمير سعد ، فقال ١ / ١٠٠ لنا : أن الأمير سعد نازل الآن في محل بالقرب / من حدود الهند ، يقال له مراح طهماز ، وبيننا وبينه تسع مراحل كبيرة ، فإن شاء خاطركم الوصول إليه ، أرسل معكم دليلا يوصلكم إليه لأنكم قط ما جئتم إلى ديرتنا ، وتجهلون الأراضي والمياه ، فقبلنا ذلك. وبعد يومين توجهنا برفقة دليل ، وأتى معنا قليل من القبائل لأنه ليس من الضروري أن تحضر معنا ، وكان قرب انتهاء فصل الشتاء وقادم فصل الربيع (٣) ، ويجب أن نكون وقتئذ في نواحي العراق وبلاد سورية. ولهذا السبب لم ندعها تحضر معنا ، بل توجهنا فقط مع خمس قبائل ، منها قبيلة المضيّان التي شيخها صاحبنا صقر ، وقد صار له معنا تعب كثير.
ثم جدينا بالسير ، وكل يوم مرحلة ، البعض منها فيها مياه والبعض منها خالية من المياه. فكل مرحلة نحن قادمون عليها ليس فيها ماء ، تحمّل العرب الجمال ماء ، ما يكفينا ويزيد عن حاجتنا. وكان بوسعنا أن نجد دائما الطرق التي فيها ماء ، لأن العرب تعرف دروبا كثيرة يوجد فيها الماء يوميا ، ولكن أولا إنها بعيدة ، وثانيا لا يوجد فيها مرعى للجمال ، ويجب أن تكون الدروب موافقة من الطرفين ، أي أن تكون صالحة للماء والمرعى ، والألزم عند العرب وعند الجميع المرعى ، لأن الماء يحمل وأما المرعى فلا يحمل. وحين بقي لنا ثلاث مراحل ،
__________________
(١) الهندوان : نهر بين خوزستان وأرّجان عليه ولاية. (معجم البلدان).
(٢) «عرب بستان».
(٣) شتاء سنة ١٨١٤ بمقتضى سياق الحديث ولكن إذا سلمنا أن موقعة حماة جرت سنة ١٨١٢ استنادا إلى ما جاء في كتاب اوغست دي نرسيا ، عامل نابوليون ، كما ذكرناه في المقدمة ، فإن الصايغ يتكلم عن شتاء سنة ١٨١٣.