أرسلنا مع هجان ، من عرب ديرتهم ، بمكتوب للأمير سعد من طرف الدريعي ، للسؤال عن خاطره والسلام عليه ، ومضمونه أننا جئنا من بلادنا خصوصا لأجل رؤيتك ، وربط المحبة والصحبة والمعرفة معك. ثم رحلنا أول يوم وثاني يوم ، وفي الثالث ، وهو اليوم الذي سنصل فيه عنده ، في منتصف النهار ، إذ بالغبار معقود من صدر البرية كأنه غمامة ممطرة. واسود وجه الأرض من جهامة العربان المقبلة علينا. فحسبنا لذلك حسابا كبيرا وظننا أن قوما أعداء قد أتوا لقتالنا. فاستعدينا للحرب ، إلا أننا كنا قليلين فندم الدريعي عندئذ كل الندم ، لأنه طلب من القبائل أن تعود ، ولم يدعها تحضر معنا ، لأنها كانت تعيننا إذا حدث لنا أمر. ٢ / ١٠٠ فوقفنا في محلنا والتمت عرباننا بعضها على بعض ، ولم يبق لنا / جراءة (١) على التقدم إلى الأمام ولو خطوة واحدة. فقال الدليل الذي جاء معنا من طرف الأمير هبش : أنا أذهب وأكشف لكم خبر هذا القوم. وبالحال غار من بيننا كأنه الصاعقة فوصل عندهم وبعد قليل ارتد وقال : «ابشروا تراه الأمير سعد بعربانه آتيا للقائكم». ففرحنا بذلك واطمأن قلبنا ، وحالا ركض الدريعي وأولاده وكثير من كبار قبائلنا والشيخ إبراهيم وأنا للقائكم. وكذلك سعد وكبار قبائله ركضوا لملاقاتنا ، واجتمعنا مع بعضنا بين الصفين ، وسلمنا على بعضنا ، وأمر سعد بنصب البيوت في تلك الأرض لأنها منزلة متسعة للجميع ، وهي على نهر عظيم يسميه العرب جيستان يبعد عن حدود الهند نحو عشرين ساعة فقط ، بالقرب من بلد هي آخر بلاد العجم يسمونها المنونا. فنزلنا جميعنا هناك ، ودعينا عند الأمير سعد نحن وكامل من معنا من أمراء ومشايخ وكبار القبائل ، مدة ثلاثة أيام على سفرة الأمير سعد. وأما المذكور فهو رجل بلغ من العمر نحو خمسين سنة ، وله أربعة أولاد شباب وبنت واحدة فقط. وأما بالرجولية (٢) فهو مشكور جدا بين العربان ولكن بالكرم (٣). وهو من بيت قديم وطائفة كبيرة مشهورة بالكبر والحكم والإمارة ، وذلك من قبل دولة العباسيين في بغداد ، وصوته مسموع من قبائل كثيرة ، حتى عرب الهند تتبع صوته ، وله عندهم اسم كبير مشهور من قديم الزمن.
ثم كل يوم كنا نعمل معه خلوة ونتكلم ، حتى فهم المادة جيدا ودخل في عقله مطلوبنا ، فوافق على ذلك وسرّ جدا إذ قال : على ما أعلم أن جميع أهالي بلاد الهند غير راضين على حكامهم اليوم ، ويتمنون أن تحدث أمور مثل هذه لأنهم مظلومون. وأما أنتم فلا تفكروا
__________________
(١) «جرعا».
(٢) «المراجل».
(٣) كذا ، والعبارة غير كاملة.