الصاد سينا (عسر بدلا من عصر) والقاف كافا والزين ذالا والضاد دالا والظاء ذالا والعكس بالعكس فيكتب أستغيظ بدلا من استغيث وحضر بدلا من حذر ، وركاد بدلا من رقاد ... وكذلك يخلط بين التاء المفتوحة والتاء المربوطة ويكثر من استعمال التعابير والألفاظ التي يصعب فهمها على غير الحلبيين العريقين ، وهناك أيضا عدد من الكلمات البدوية والتركية والعجمية والفرنسية التي تحتاج أيضا إلى شرح وتعليق ، خاصة أن طبع هذا الكتاب ، مع الأمانة التامة لنص المؤلف ، وفقا لأصول النشر المرعية عادة ، يؤدي إلى نتائج غير مرضية بسبب كثرة الهوامش لا يضاح المعنى والمبنى ، فيرمي القارئ الكتاب من يده من الملل ، مع أن الموضوع شيّق جذاب.
ولذا رأينا أن من العبث الحرص على الأمانة الحرفية في عمل لا يمتاز بصبغة أدبية أو فلسفية وأن من الأولى تنقيح نص المؤلف وإعادة صياغته أحيانا ، مع مراعاة الأصل والاحتفاظ بما يمكن حفظه من التعابير وأسلوب الإنشاء ، ولكن إتماما للفائدة ، ذكرنا في الهوامش ، بين هلالين مزدوجين ، الكلمات الخاصة باللهجة الحلبية. ونحن بعملنا هذا لم نأت ببدعة جديدة ، إنما اتبعنا العادة المرعية في نشر اليوميات أو الحوليات المكتوبة باللهجات القديمة ، ونجد أمثالا على ذلك أيضا في أشهر كتب الأدب ، مثل كتاب الأغاني ، بل في كتب الحديث نفسها فكم من مرة نقرأ بعد الحديث المنقول العبارة التالية : «أو كما قال» ، ومعنى ذلك أن المحدث حفظ المعنى ولم يذكر النص بحذافيره. ومما لا شك فيه أن أهمية كتب الرحلات في موادها وليس في إنشائها. فابن بطّوطة لم يكتب رحلته ، ولكن أملاها على ابن جزيّ ولا نعلم إذا كان أملاها باللغة العامية أو الفصحى ، فهل ينقص ذلك من فضل مؤلفها. وكذلك الأمر برحلة ماركو بولو فهو أملاها أيضا ، والأقرب إلى الظن أن الحديث جرى بلهجة سكان البندقية ، إلا أن كاتب الرحلة سبكها بإحدى اللهجات الفرنسية القديمة ولو طبعت اليوم بهذه اللهجة لما تمكن من قراءتها إلا عدد قليل من الناس. ومن البديهي أن مذكرات الصايغ ليست ذخرا أدبيا أو نصا فلسفيا لنحرص عليها حرصنا على المعلقات وإن هي إلا وثيقة تاريخية وجغرافية وعمرانية هامة ، أما اللغة التي كتبت بها فثانوية بالنسبة إلى المعلومات الأساسية التي ذكرها صاحب الرحلة.