حيلتنا (١) ، عليه ، فأمر بذلك. وكان بالخلوة هو وعبد الله الهدال كاخيته والدريعي وأنا لا غير. فصار رباط عظيم ، بقول وثيق ، وأقسام عظيمة ، أننا نحن وهو بالحال واحد : العرض واحد ، والدم واحد ، والمال واحد ، والله الشاهد والرقيب على من يتعدى وينقض رباطنا هذا ، وإن حين يستدعي أحد من الفريقين الآخر إلى معونته يحضر سريعا من غير تماهل كليا. وما يضره يضرنا ، وما ينفعه ينفعنا ، والصاحب صاحب جميعنا ، والعدو عدو جميعنا ، وأن نبذل جهدنا لندافع ونمانع جميع غوائل الأتراك الذين يقدمون من اسلامبول (٢) ، لأنه كان حاسبا حسابا كبيرا للسلطان ويخشى أن يرسل إليه جيشا عن طريق الحج ، كما وجهه إلى ١ / ١١٤ مصر أيام الحملة الفرنسية ، فجعلناه يطمئن من هذه الناحية / وأرحنا باله من هذا القبيل ، لأنه ما كان حاسبا حسابا لوالي مصر ابدا بل كان حسابه الأكبر للسلطان ، مع أن أخبار استعدادات محمد علي وصلت إليه جيدا ، ولكنه كان لا يفكر بها ثقل حبة خردل.
فتمّ هذا الاتحاد فيما بيننا وتحالفنا على السيف والمصحف وتعهد لنا أن مهما لزم لنا لأجل إعانتنا على استملاك عربستان من إمداد بالرجال أم بالمال ، يكون جاهزا ويرسل إلينا ، ويصير الدريعي سلطان الشمال وهو سلطان القبلة ويكونان روحين في جسد واحد ، وقرأنا الفاتحة على ذلك وخرجنا من الخلوة إلى حجرة ثانية ، فأمر بالغداء فأخرج الغداء من الحرم وكان شيئا منظوما من لحم وأرز ودجاج ومحاشي وحلويات لأن العسل كثير بالدرعية وغير أماكن. فغسلنا أيدينا وجلسنا للغداء. فمد يده هو قبل الجميع وقال : «بسم الله خالقك ومفرق أصابعك». فأكل من كل صحن لقمة ثم قال : تفضلوا ، والمعنى أنه يرفع الشك عن مادة السم ، لأن هذا الوسواس شديد عنده. فابتدأنا وهو يأكل معنا بيده من غير معلقة. فقال له الدريعي : الإفرنج يأكلون بالمعالق الفضة والملاقيط الفضة والسكاكين ، من غير أن يمسوا بأيديهم شيئا. فقال : وكيف يصير ذلك؟ فقلت له : الآن أريك. وقمت حالا وأخذت قصبة فارسية وصنعت معلقة وشوكة (٣) من القصب ، ووضعت سكينا وأخذت صحنا فارغا ووضعته أمامي ، وأخرجت محرمتي وجعلتها سلونية (٤) ، وابتدأت آكل بكل
__________________
(١) «نصبتنا».
(٢) استنبول.
(٣) «فرتيكه».
(٤) كذا ، وقد تكون الكلمة مشتقة من صالون : غرفة الاستقبال.