فالمكروه عند العرب : الطلاق ، والضراط ، وكلام السفه (١) ، والخاين ، والذي ليس له قول ، والبخيل ، والجبان بالحرب. فأصحاب هذه الخصال يكونون سخرية العربان ، ويشهرونهم ويجعلونهم مهزأة لهم ولا يسمحون لهم بالقعود في مجالس الكبار. وأما السارق ، فمقبول عندهم لأن أكثر معيشتهم من السرقة. لأنهم لا يسمون سرقة الشيء الذي يأخذونه بالقوة ويزعمون أن كل شيء أخذوه بعد قتال لا يسمى سرقة ، لأن القافلة أو القرية أو القبيلة المعادية لا تسلم نفسها من غير حرب ، وكل شيء يحدث بسببه حرب يسمى كسب قوة لا سرقة. وعندهم هذا شيء حلال ، وكم من مرة اعترضنا عليهم وقلنا لهم أن تشليح القوافل والغارات على أرزاق الناس حرام. فكان جوابهم أن مال أبينا آدم لم يقسم بل بقي مشاعا ، ١ / ١٢٤ ونحن أولاد آدم وحواء. /
ليكون معلوما عندك أيها القارئ ، إن الأحوال والأمور التي شاهدناها عند العرب ، خلال سبع سنوات من السياحة ، لم يرها أحد من السواح غيرنا. فهم جماعة سريعو الغضب وسريعو الرضى ، أقل حركة تغضبهم وأقل كلمة ترضيهم. قوم يحبون الفتن والحروب والمعارك والغارات سواء على بعضهم أو على الطوائف الغريبة ، أولا لأجل تمرهمهم (٢) بالحرب ، ثانيا لأجل المكسب لأن هذه تسليتهم وأسباب معيشتهم (٣) ، ولهم موارد أخرى ، فالأمراء والشيوخ الذين عندهم طروش جمال وخيل ، يطلع كل سنة أناس ليشتروا منهم الخيل الذكور والجمال ، لأنهم لا يبيعون الخيل الإناث ولا النوق بل تبقى عندهم لأجل التولّد (٤) ، والنوق أيضا لأجل التولد أولا ولأجل حليبها ثانيا ، لأن حليب النوق أكبر قوت لهم. وكذلك التمر والتمّن (٥) الذي يطلع في بلاد العراق والبصرة وبغداد مثل الأرز. وأما اللحم فإنهم يأكلونه قليلا. فهم أناس قنوعون بالمأكل جدا ، أقل شيء يشبعهم ، ولهم صبر (٦) على الجوع والعطش والحر والبرد والتعب شيء لا يوصف. فبعضهم يستطيع أن يركض مثل الحصان طول النهار بالحر ، كذلك يستطيع بعضهم أن يصبر على الجوع والعطش ثلاثة أو أربعة أيام.
__________________
(١) يريد : الكلام السافل.
(٢) كذا ، فهل يريد تمرنهم أو مهارتهم؟.
(٣) «تسلايتهم وسببهم».
(٤) «الخلفة».
(٥) التمّن : الأرز على لغة أهل العراق.
(٦) «ضيان».