ثم قام الخواجه لاسكاريس ، واشترى خبزا وجبنا وأعطاهما للبدوي ، وسأله عن اسمه ، فقال البدوي اسمي هلال ، ثم انصرف. ومضى ذلك النهار ، وثاني يوم. سافرنا من المعرة إلى خان شيخون ، وكان مسيرنا مدة ست ساعات فقط. ثم في اليوم التالي سافرنا من شيخون إلى حماة ، ولكن كان برد وهواء عاصف ورعد وأحوال كئيبة جدا ، فوصلنا إلى حماة وقت المغرب ، وكان مسيرنا تسع ساعات. فدخلنا البلد ونحن لا نعرف أحدا ولا أحد يعرفنا ، فنمنا تلك الليلة في حي (١) يقال له الحاضر. ثم ثاني يوم قال لي : قم وابحث لنا عن غرفة (٢) ننزل بها ونضع فيها رزقنا. فذهبت وأخذت غرفة في قيصرية يقال قيصرية أسعد باشا ، ونقلت الرزق من عند المكاري وأعطيته الكراء ، وجهزت الغرفة بكل اللوازم ، وظننت أني ثاني يوم سأفتح الرزق وآخذ بالبيع والشراء ، على حسب عوايد الناس. وفي تلك الليلة قلت له : يا سيدي ، غدا إن شاء الله سنفتح هذا الرزق ونبتدئ بالبيع. فضحك وقال : يا ابني ، كل ما في رأسك هو التجارة ، ولو كنت تعرف غيرها من المهن لعلمت أن منها التي تفوقها بالأرباح. ولكن لا عتب عليك لأنك لم تر في حياتك إلا المتجر. وأنا عندي أرذل كل ١ / ٥ الصناعات التجارة. فقلت في عقلي : ولكن ما ذا سنصنع بهذا الرزق / الذي معنا؟ هل سنرميه (٣)؟
ثم أقمنا في حماة نحو عشرين يوما. ولا حاجة للشرح عنها ، لأنها بلد مشهورة ومعروفة من كل الناس. وإنما نتكلم عما حصل لنا فيها. فبعد دخولنا بأربعة أيام توجه الخواجه لاسكاريس وحده ، من غير أن يعطيني خبرا أو يقول لي أني ذاهب أتنزه بالبلد. فوصل إلى القلعة ، لأن لها قلعة قديمة متهدمة ، ما بها شيء عمار كليا غير جبلها فقط ، فصعد إلى القلعة ليراها. وبينما هو يدور بها وجد بعض الأوباش (٤) الذين يصعدون إلى القلعة ليلعبوا بالقمار ، في مخادعها المتخربة ، كي لا يراهم أحد ويخبر الحاكم ، لأن هذا شيء ممنوع من الحاكم. فالخواجه المذكور حين طلع ، ابتدأ يقيس بخطواته القلعة عرضا وطولا. وكان فيها بعض الأوباش يلعبون بالقمار ، فرأوا أنه غريب الزي ، وأنه يقيس القلعة. فهجموا عليه وأمسكوا به وقالو له : أنت رجل غريب تقيس القلعة ، وتريد أن تخرج منها كنزا ، فإن أرضيتنا تركنا
__________________
(١) «صايح».
(٢) «أوضه».
(٣) «بدنا نكبّ هل الرزق».
(٤) «أناس معترين».