سبيلك ، وإلا أعلمنا بك الحاكم. فبعد جدال طويل هرب منهم ، وعاد إلى غرفتنا ، وأخبرني بما جرى.
وبعد قليل من الوقت إذ حضر أربعة تفنكجيّة (١) من طرف المتسلم ، فدخلوا القيصرية ، ووقف اثنان منهم على بابها ، وأخذ الاثنان الآخران بتفتيش غرفها الواحدة بعد الأخرى ، ومعهما الذي راح واشتكى ، إلى أن دخلا غرفتنا. فقال المشتكي : هذا هو الرجل فأمسكوه. فقبضا عليه وعليّ أيضا ، وقفلا باب الغرفة ، وأخذا مفتاحها وذهبا بنا عند الحاكم. وكان حاكم حماة في تلك الأيام رديئا ظالما يقال له سليم بك من بيت العظم. فحين دخولنا واجهنا سعادته ووقفنا أمامه. فقال : من أين أنتم يا جماعة؟ فقلت يا سيدي أنا من حلب ، وهذا الرجل من جزيرة قبرص. فقال ما هو سبب مجيئكم إلى هذه البلد؟ فقلت يا سيدي نحن جماعة تجار ، ومعنا رزق ونقصد باب الله. فقال كذبت يا ولد ، أنتم جواسيس (٢) ، ٢ / ٥ واليوم كان رفيقك بالقلعة يقيسها ويريد إما إخراج كنز وإما أن يأتي بالكفار / ليملكوا البلد ، خذوهم وأودعوهم في السجن (٣). فحالا أخذونا ووضعونا بالسجن المظلم ، ووضعوا الزنجير (٤) بأرجلنا ، وأغلقوا علينا الباب وذهبوا. فابتدأ الخواجه لاسكاريس يضحك ويقول هل أنت مغتاظ (٥) يا ولدي مما حصل لنا؟ فقلت لا ، ما في أحسن من ذلك ، ولكن يا حبيبي لو كنت قلت لي أنك تريد أن تزور القلعة ، كنت ذهبت معك ودبرت المادة وما تركتها تصل إلى هذا الحد. فقال : وكذلك سيصير لها تدبير إن شاء الله.
فبتنا تلك الليلة بالحبس. وعند المساء ، صحت (٦) على السجان وأعطيته خمسة غروش ، وطلبت منه أن يحضر لنا شيئا نأكله ، ويشعل لنا ضوءا. فجاء العشاء وعلق لنا قنديلا. فقضينا تلك الليلة من غير نوم وأكل جسدنا البراغيث (٧) والقمل ، إلى أن أصبح الصباح وأتى الحاكم وكل أهل السرايا. فدعوت السجان وقلت له : يا محبنا ألا يوجد بين
__________________
(١) تفنكجي (من التركية) : رجل سلاحه التفنكة أي البندقية.
(٢) «دواسيس».
(٣) «حبس».
(٤) «الجنزير».
(٥) «محصور».
(٦) «عيطت».
(٧) «البراغيد».