الكتّاب النصارى من يقدر أن يسعى في خلاصنا؟ قال نعم ، هنا شخص يدعى سليم اليازجي ، غيّور ، خدوم ، يحب عمل الخير ، وكنت سمعت به سابقا. فذهب ودعاه فأتى إلى باب الحبس. فسلمنا عليه وحكينا له القضية. فقال كونوا مطمئنين ، لا يحدث إلا الخير. وحالا دخل عند البك وحكى معه. فمن بعد تعب شديد أنهى القضية وصفا خاطر الحاكم. فرجع عندنا وأفهمنا أن المسألة تحتاج إلى برطيل (١) إلى جناب البك. فأعطاه الخواجه لاسكاريس ساعة تقدر بنحو مئتي غرش ، وخاتما من الياقوت الأحمر قيمته نحو مئة غرش ، وخمسين غرشا إلى التفنكجي والسجان (٢). وفي الحال أمر البك بإطلاقنا من السجن. فخرجنا وذهبنا عنده ، وأخذنا الإذن منه وتوجهنا إلى غرفتنا.
وأقمنا بعد ذلك في حماة نحو عشرين يوما ، كل يوم كنا نتنزه وندور في أرجائها ، وحقا إنها بلدة النزه ، تشرح النفس ، كثيرة المياه ، فيها بساتين ونواعير ، والعاصي يمر في وسطها ، أهلها فصحاء ، مهرة (٣) ، شعراء (٤) ، وأرباب فن وأصحاب ذوق ، بلد من بلاد برّ الشام المشهورة بالجمال.
ثم بعد ذلك كنا تعرفنا ببعض الناس / ولا سيما بالخواجه سليم اليازجي الذي كان خلصنا من يد الحاكم. فطلبنا من بعض الأحباب كتاب توصية لأحد سكان حمص يكون فقير الحال ولا يخطر على بال أحد ، فأعطونا مكتوبا إلى رجل مسكين يصنع المشالح السود. وكان المكتوب بهذه اللفظات : حضرة أخينا ، إن حاملين هذه الأحرف المعلم إبراهيم القبرصي (٥) والمعلم فتح الله الحلبي من الحضّارين (يعنى الذي معه بضاعة تصلح للفلاحين وأهل الوبر) ، ومرادهما أن يطلعا ببضاعتهما [إلى البادية](٦) لبيعها. فنرجو أن يكون نظركم عليهما في جميع ما تستطيعون عليه من المساعدة ، وإنهما لا يضيعان اتعابكم والسلام. والغاية من هذا الكتاب أن نكون على صلة بشخص نستطيع أن نستشيره ونرجع إليه في أمورنا.
__________________
(١) «بخشيش».
(٢) «الحبّاس».
(٣) «بهّار».
(٤) «شعّار».
(٥) «القبرصلي».
(٦) زيادة من المحقق.