ثم سافرنا من حماة مع قافلة حمص ، والطريق من حماة إلى حمص اثنتا عشرة ساعة.
فبعد خروجنا من حماة بست ساعات وصلنا إلى نصف الدرب ، إلى بلد قديمة يقال لها الرّستن (١) ، وهي الآن خراب ولم يبق منها إلا شيء قليل ، ولكن بها عمارات قديمة ظاهرة إلى الآن ، وهي مثل قلعة على عاصي حماة ، وأمامها جسر. وفي السابق على ما جاء في التاريخ ، كانت بلدا عظيمة منيعة حتى في زمن الفتح الإسلامي. ويخبر سلفنا الأب (٢) مارينس الذي أرّخ في مجلدين ما جرى أيام الفتح ، في خلافة عمر الخليفة الثاني بعد محمد ، مع الروم على زمن الملك أورليانوس الذي كان يومئذ بالقسطنطينية ، إن جيش (٣) الإسلام عجز عن أخذ الرّستن ، فعمل خالد بن الوليد ، قائد الجيش الإسلامي يومئذ وصاحب القبر المشهور بحمص ، حيلة ليضع يده على البلد. وذلك أنه أتى بأربعين صندوقا كبيرا وأدخل في كل واحد منها رجلا مسلحا وأغلق (٤) الصناديق ، ولكن بنوع أنه يمكن لمن بداخلها أن يفتحها. ثم تقدم بكل جيشه إلى الرستن ، وبعث رسولا إلى حاكم البلد يقول له : يا محبنا ، لا حاجة لي بالرستن ولا أريد أخذها ، وأنت صاحبي وصديقي ، ومهما تطلب مني فعلى الرأس ثم العين. والآن أنا متوجه إلى حلب لحصارها وإني سافتحها بعون الله ، إنما معي أحمال وعفش وصناديق كثيرة ٢ / ٦ تتعبني جدا / فأرجو منك ، يا محب ، أن تضع لي عندك بعض الصناديق التي لا أحتاج إليها الآن ، ومتى رجعت من حلب أستردها وأشكر فضلك. ففرح الحاكم من ذلك وقال في نفسه [إنه من المستحسن تلبية هذا الطلب] أولا لأني أكسب صداقة هذا القائد ، وثانيا أصرفه عني. أما الأمير خالد فإنه أمر رجاله الذين داخل الصناديق أن يفتحوها حالا متى سمعوا دق النواقيس ، إذ تكون جموع النصارى وقتئذ في الكنيسة ، ويهجموا على باب البلد ويفتحوه ، ويكون هو مع عساكره واقفا أمام الباب ، فيدخل ويملك البلد ، إن شاء الله. فأدخل الحاكم الصناديق ، وفي اليوم الثاني ، بينما كانت الناس بالصلاة ، خرج الأربعون رجلا وركضوا وفتحوا الباب ، ودخل عسكر الإسلام ، وملك خالد البلد ، وقتل الحاكم وجملة من الناس ، ورتب
__________________
(١) الرّستن : «بليدة قديمة كانت على نهر الميماس ، وهذا النهر هو اليوم المعروف بالعاصي ... والرستن بين حماة وحمص في نصف الطريق ، بها آثار باقية إلى الآن تدل على جلالتها وهي خراب ... وهي في علو يشرف على العاصي». (ياقوت ، معجم البلدان).
(٢) «لابي» أي Iabbe.
(٣) «أرضي» ، ويكرر الصائغ هذه الكلمة في أماكن عديدة من مذكراته ، ويريد بها الجيش.
(٤) «سكّر».