حاكما من طرفه وتوجه بعدئذ إلى حلب. فمن ذلك اليوم ابتدأ خراب هذه المدينة ولم يبق منها اليوم إلا الرسم.
ثم سافرنا من الرستن إلى حمص ، فدخلناها بعد العصر ، فسألنا حالا عن الرجل الذي نحمل إليه الرسالة ، فدلونا على بيته. فذهبنا عنده وأعطيناه المكتوب ، فقرأه وحالا رحّب بنا وأدخلنا بيته بكل إكرام. وبعد العشاء حضر عنده عدد من الناس من أمثاله ليسهروا ، ومن جملتهم رجل فقير الحال ، بثياب رثة ولحية (١) ، ولكنه كان فصيح اللسان حلو الحديث. فأخذ يتكلم عن العرب وأحوالهم وعما يحصل عندهم من الأمور. فانشرح الخواجه لاسكاريس من هذا الحديث ، وقرّب هذا الرجل منه ، وأخذ يتكلم معه بكل إنسانية ومحبة ، ويستفهم منه عن أحوال العرب. ثم سأله عن اسمه فقال له نوفل السّنكري أي الذي يصنع قرب السيوف ويصلح البنادق (٢). ثم أضاف قائلا : إنني في كل سنة ، حين تقرب العربان من ديرة حمص ، أذهب وأشتغل عندهم ، وفي الشتاء حين يشرّقون (٣) أعود إلى بيتي. ولي معارف وأصدقاء كثيرون من العرب. فسرّ الخواجه لاسكاريس من هذا الخبر وفرح ، والتفت إلي وقال : إني رأيت هذه الليلة أخي وكل أهل بيتي. فقلت له : يا سيدي لا يوجد في هذا المكان أحد من بيت دي فنتيميل؟ فقال : إن معرفتي بنوفل أحسن عندي ١ / ٧ من رؤية أخي. /
ثم انصرف الناس ، وأعد لنا صاحب البيت فراشا (٤) واحدا لنومنا. وكان من عادة الخواجه لاسكاريس أن لا ينام مع أحد ، وكان طبعي مثله. فقلت في نفسي : المسألة تحتاج إلى مسايرة وتدبير إلى أن ينام الخواجه لاسكاريس وعندئذ سأنسل بكل لطف وأنام على الأرض. وكذلك فكرّ هو أيضا بهذا الرأي. ثم أطفأنا النور لأنه ما كان يحب النوم في الضوء. وانتظرت قليلا حتى ظننت أنه نام ، ثم أنسللت من الفراش والتحفت بمشلحي ونمت على الأرض ، وفعل هو كذلك. وحين أصبح الصباح وجد كل واحد منا صاحبه على الأرض والفراش خاليا. فضحكنا جدا ، ونهض حالا الخواجه لاسكاريس وعانقني وقبلني وقال لي :
__________________
(١) «ذقن».
(٢) «التفنك».
(٣) يرحلون إلى الجهات الشرقية.
(٤) «فرشة».