هذه بشارة خير ، إذ تدل على أن نوايانا وقلوبنا متفقة. وأنت عندي مثل ولدي ، وسوف ترى مني أشياء لم يرها قط أحد من أمثالك ، بل لم يسمع بها من هم أكبر منك سنا.
ثم خرجنا نتنزه بالبلد ، وأول شيء عملناه هو السؤال عن دكان نوفل السنكري. فذهبنا عنده وقلنا له : قم ودر بنا اليوم في بلدك ونحن نعطيك ما ستكسبه من مهنتك (١). فأغلق (٢) دكانه وبدأ يدور بنا في حمص. ولا حاجة لإطالة الكلام عن هذه المدينة فهي معروفة مشهورة في الآفاق. ولكن بالمختصر (٣) ، إنها بلد طيبة الهواء جدا ، يبعد العاصي عنها نحو ساعة ، ولكن أهلها حفروا خليجا من العاصي إلى البلد ليستقي من مائه نحو ثمانية آلاف نسمة ، وهي حصينة ، يدور بها سور من الحجر الأسود ، ولها أربعة أبواب تغلق عند المغرب وتفتح وقت طلوع الشمس ، وفي وسطها قلعة على شكل (٤) قلعة حماة وحلب ، ولكنها خراب.
وبينما نحن نتجول مررنا بدكاكين تصنع فيها الفروات الغنيميّات (٥) ، وجهها جلدها (٦) ، وتصبغ عادة باللون الأحمر. فاشتريت فروتين ، كل واحدة بعشرين غرشا ، لأنها صالحة جدا للسفر ، على الطريق ، وللنوم ولو تحت الثلج ، وتدفّئ كثيرا.
٢ / ٧ ثم استأجرنا غرفة بالخان ، ونقلنا حوائجنا ورزقنا وبتنا تلك الليلة فيها ، وقلنا / لنوفل أن يحضر عندنا غدا ، لأننا كنا مسرورين جدا منه. فهو رجل حلو الطباع ، حسن السلوك ، متواضع ، طلق اللسان ، خبير بالأمور التي نريد معرفتها. فحضر في اليوم الثاني فقلنا له : يا عزيز ، نرجو منك أن تبقى معنا وفي خدمتنا طول مدة إقامتنا في حمص ، فلا تشتغل وليكن عملك معنا. ثم سألناه عن كسبه اليومي فقال ثلاثة غروش. فقلنا له نحن نعطيك أربعة. فاستكثر الرجل بخيرنا وقال مهما أردتم فأمروني به.
وكان الخواجه لاسكاريس يرغب في هذا الرجل ، لأنه بحكم عمله ، له معرفة جيدة بعشائر العرب. فهو يذهب عندهم كل سنة ، ويشتغل ستة أشهر الصيف ، إذ يكون العربان
__________________
(١) «كارك».
(٢) «سكّر».
(٣) «بالمقنصر».
(٤) «كسم».
(٥) من جلد الأغنام.
(٦) الجلد يكون إلى الخارج والصوف إلى الداخل.