العامود. فأخذوا الدراهم وتركوا العامود. وكان طوله اثنين وستين قدما وثخنه عشرة أقدام ، من حجر الطبخ (؟) الملون : أزرق وأبيض وأحمر. وفي ذلك الوقت أخبرونا على مقطع العواميد وأنه بعيد نحو ساعة ونصف عن تدمر لطرف القبلة ، فاعتمد رأينا أن نذهب في اليوم الثاني ونرى هذا المكان. وبالغد ذهبنا مع ثلاث أنفس بالأجرة إلى ذلك المحل ، ورأينا بطريقنا أشياء كثيرة وأمورا غريبة ، لا نرى من حاجة لذكرها لأن الذين سبقونا عرفّوا عن جميع ذلك. ثم وصلنا الموضع المقصود وهي مغاير منقورة بالإزميل ، ووجدنا شيئا كثيرا من الرخام الأبيض ١ / ١٧ وقطعا كبيرة جدا / مرمية على الأرض من زمن قديم. ووجدنا عامودا من الرخام الأبيض الخالص ، الشغل لا يحتاج إلى شيء غير نقله إلى البلد. وكذلك وجدنا عامودا آخر تم نصف عمله وبقي مهملا ، فكأن الوقت ضاق على العمال فلم يكملوا صنعه ولم يتمكنوا من نقل العامود الخالص.
وكان رجوعنا من طريق غير الطريق الذي ذهبنا منه ، فوجدنا محل عين ماء مطمورة بحجار كبيرة يسميها التدامر (١) عين اورنس. فأخذ الشيخ إبراهيم يفكر ، وبعد رجوعنا إلى البيت قال : أتعرف يا ولدي بماذا أفكر؟ قلت بأي شيء تفكر؟ أفيدنا. قال : هذه العين رأيناها مطمورة ويسمونها أورنس بسبب عدم معرفتهم بتصحيح الأسماء القديمة ، فهذه عين أورليانوس ملك رومية الذي حضر من رومية طمعا بغنى تدمر ، ونكاية بزنوبيا ملكة تدمر يومئذ ، وحاصر البلد وأخذها اقتدارا ، ودخل البلد وأباد منها خلقا كثيرا. ولا يعرف أحد ماذا جرى بالملكة زنوبيا إلى يومنا هذا (٢) ، وأظن أن اورليانوس هو الذي أمر بحفر هذه العين ليستقي منها ويسقي عساكره ، فوجدت هذا الرأي عين الصواب وقريبا جدا من العقل ولكن غير موجود في التاريخ ولا مذكور في محل ، إنما هو ظن لا أكثر.
أما صنائع أهل تدمر فهو نقل الملح والقلو (٣) ، لأن بالقرب منهم محل يستخرج منه الملح اسمه السّبخة (٤). أما القلو فهي حشيشة يحرقونها فتذوب وتصير حجرا ، فينقلونها
__________________
(١) سكان تدمر.
(٢) يعلمنا التاريخ أن الملكة زنوبيا وقعت بين أيدي الرومان وقيدت إلى روما مغلولة بسلاسل من ذهب سنة ٢٧٢ م.
(٣) القلي أو القلى رماد الغض والرمث يغسل به الثياب (لسان العرب ، مادة قلو).
(٤) السّبخة : الأرض المالحة.