بكتاب من يده ، مع الأشخاص الذين سيحضرون لإيصالنا عنده ، حتى نطمئن بالأكثر عن حالنا ، فوعدنا وسافر مع خيالته.
ثم ثاني يوم حضر إعرابي من قبيلتهم اسمه باني حسيني. وبعد دخوله تدمر بقليل من الوقت حضر سبعة خيالة ، من كبار الفرسان ، من قبيلة يقال لها الضّفير ، سوف نتكلم عنها. وكانت العداوة على أشدها بين هاتين القبيلتين. فحين بلغهم أن في تدمر بدويا من الحسنة ، من أتباع مهنا الفاضل ، عقدوا النية أن يلحقوا به حين يسافر من تدمر ويقتلوه. ووصل خبر ذلك الكمين إلى البدوي (١) ، فحالا أحضر فرسه أمام البيت الذي نحن فيه وأخذ من عندنا قطعة من اللباد وبللها بالماء ووضعها على ظهر الفرس مباشرة ووضع العدة عليها وشد ٢ / ١٩ الحزام ، فما مضى ساعة من الزمن إلا وابتدأت الفرس تسهل / وظلت إلى الصبح على هذا الحال حتى فرغ ما في جوفها وصارت مثل الشبابة ، فرفع عندئذ اللباد عن ظهرها وشد حزامها شدا قويا ، وركب مع طلوع الشمس. وكان الخيالة السبعة ركبوا قبله وكمنوا له على الطريق ، على بعد ساعتين من تدمر ، وكانوا قادرين على قتله في تدمر ، ولكن بهذه الطريقة يقع اللوم على شيخ تدمر من قبل الأمير مهنا. ثم وصل باني إلى موضع الكمين فنفذوا عليه كأنهم اللمع البارق ، فجدّ على فرسه وصاح بها : «اليوم يومك يا حمراء» ، وطار مثل الطير الذي يشق الهواء بجناحيه ، وظلوا يجرون خلفه مدة أربع ساعات إلى أن وصل إلى بعض منازل العرب ، فرجعوا عنه حالا ووصلوا إلى تدمر بعد غياب الشمس. وكنا مع كل أهالي تدمر ننتظر على الباب ، لأننا كنا على معرفة بالقضية ونريد أن نعلم بما حصل ، فإذا بهم قد عادوا وليس معهم فرس باني ولا حوائجه. فسألناهم عما وقع فقالوا لا شك أنه راكب على عصفور لأن خيلنا مشهورة بالركض ، ونحن نعلم أن فرسه مثل خيلنا بل دونها ، غير أننا شاهدنا منها فعلا غريبا بعيدا عن العقل. فضحكت وقلت لهم : أتعرفون ماذا عمل؟ إنه بلّل اللباد بالماء ووضعه على ظهر الفرس كل الليل حتى خفت وأصبحت مثل الشبابة وما بقي في جوفها شيء ، فلهذا السبب ركضت بهذه السرعة ، فقالوا : لم نسمع بحياتنا بمثل هذه الشيطنة من أحد.
وبعد خمسة أيام حضر عندنا ثلاثة أنفار ، ومعهم ثلاثة جمال ، من عند الأمير مهنا يطلب ذهابنا عنده ، وسلمونا الكتاب الذي كنا رجونا من الأمير ناصر أن يرسل به ، وكان
__________________
(١) «فصاح النظير أجا خبره عن ذلك الرباط».