بهذه الألفاظ : «من مهنا الفاضل بن ملحم إلى الشيخ إبراهيم وعبد الله الخطيب ، بعد السلام عليكم ورحمة الله لديكم ، حضر ولدنا ناصر من تدمر وأخبرنا عنكم وأنكم تريدون الحضور إلى عندنا ، حلّت البركة (١) بمجيئكم ، فاحضروا ولا تخافوا ، فلا يصيبكم غير مطر السماء ، أمان الله عليكم ورعايته ، وسلموا على أخينا الشيخ رجب العروق». ثم الدعاء والتوقيع : تحيات مهنا الفاضل ، مع الختم بالحبر إلى جانب الاسم. فحالا بادرنا وحزمنا حوائجنا وما بقي معنا من الرزق. وصباح اليوم الثاني ودعنا الشيخ وسائر الأحباب وتوجهنا. وكان مسيرنا ما بين الشرق والشمال نحو أربع ساعات ، ثم وصلنا إلى قرية يقال لها أرك ولها ماء جارية عظيمة وتحتوي على نحو عشرين بيتا ، سكانها مثل أهالي تدمر ، وهم متوافقون مع التدامرة على حمل الحجاج ونقل الملح ، ويمارسون نفس الصناعات. فملأنا الجود ماء من ذلك المكان وسرنا طالبين منازل مهنا الفاضل. وفي طريقنا التقينا بعدد من العربان ، ولكن لم يعكر أحد منهم لنا خاطرا ، إذ كان معنا رجال من أتباع مهنا ، إلا أنهم كانوا يلقون علينا الأسئلة ، فيرد عليهم رفقاؤنا العرب : إنهم رائحون عند الملحم ، وهذا لقب طائفة مهنا الفاضل ، فأبوه اسمه الفاضل ، وهو مهنا ومن بيت الملحم ، والعادة عند العرب أن يسموا الإنسان بأسمه واسم أبيه حتى يعرف من هو ولا يبقى مجهولا. وبعد مسير عشر ساعات من تدمر ، وصلنا إلى النزل السعيد ، فوجدنا نزلا عظيما للعرب ، يجمع نحو ألف وخمس مئة بيت ، في مكان يقال له ضبع. فدخلنا بيت مهنا ، فترحب بنا وعمل لنا غاية الإكرام وأمر لنا بالقهوة فسقونا القهوة ثلاث مرات متوالية ، وهذا من جملة عوايدهم إذا كان الضيف عزيزا عليهم يقدمون له القهوة كثيرا. ثم أحضروا لنا العشاء وكان مطبوخا وحارا جدا ، وعادتهم أن يأكلوا بأيديهم من غير معالق ، وكنا جائعين فاضطررنا أن نأكل مثلهم بأيدينا ، وكان ذلك لأول مرة ، فحصل لنا من جراء ذلك أضرار وحروق بأيدينا. فقال لنا المهنا : يا ضيوف ، أظن (٢) أن أيديكم احترقت من الطعام ، بسبب عدم إعتيادكم؟ فقلنا نعم ولكن لماذا لا تستعملون المعالق ، فقال واحد منهم نحن جماعة بدو ، نمشي على ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا ، وكل شيء عندنا طبيعي : اليد يدك والفم فمك ، كلاهما عضوان منك ، فلأي سبب نحتاج أن نجعل بينهما واسطة غريبة من خشب. فقلنا الحق معك. والتفت إلى الشيخ إبراهيم وقلت له : هذا أول فيلسوف من العرب.
__________________
(١) «يا حلة البركة».
(٢) «على تخميني».