لنعرف شيئا عن هذا الاجتماع وعن السبب الذي دعا إليه. فأخذت معي قليلا من المرجان الأحمر ودخلت عند الحرم ، إذ كان سبق لنا أن دخلنا على الحريم وشاهدنا منهن كل إكرام. فأهديت ذلك المرجان إلى حرمة الشيخ ناصر يقال لها نورة ، فأخذته بكل قبول ووضعت لي تمرا لكي آكل وجلست إلى جانبي تتحدث معي ، فقلت لها : يا سيدتي ، الغريب يسأل ٢ / ٢٠ دائما عما لا يعنيه (١) ، فلأي سبب صار هذا الجمع / اليوم مع العريان؟ قالت : أخبرك ولكن لا تعلم بذلك أحدا ، فاعلم أن زوجي ناصرا له عداوات كبيرة مع العربان ، ودائما عليه ديات تنمي وتكثر ، وذلك بغير رضى أبيه وبغير رضى شيوخ القبيلة ، لأن مراده أن يتقدم على أبناء جنسه بوساطة الحكام العثمانين ، ولهذا السبب قد كثرت العداوة بينه وبين القبائل وابتدأت الغارات فيما بينهم ، واليوم اجتمع هذا الجمع وتم الاتفاق بينهم على أن يقوموا غدا بغارة على قبيلة يقال لها الضّفير ويكسبوا جمالها ، وذلك للنكاية والأذى وتنغيص عيشهم ، لأن الغزو شيء يقهر العربان جدا ومثله الظفر بهم ، إنما يعطي الله النصر لمن يشاء. فقمت وأنا مسرور منها إذ بلغت مرادي ، وكلمت الشيخ إبراهيم بجلية الخبر ، فبان عليه القلق وقال : يا ولدي ، هذا الخبر سيئ لا يوافق مصالحي ، لأني أرغب في معرفة وصحبة أناس ليس لهم معاشرة ولا مودة مع العثماني ، وها نحن قد وقعنا على إنسان ضد مطلوبنا ، لأن مهنا رجل طاعن بالسن ، والكلام إلى ولده ناصر ، والمذكور مراده السيطرة بوساطة العثماني ، وهذا ضد مصالحي. فلم أرد أن أسأله عن سبب ذلك ، إنما هذا الكلام شغل فكري كثيرا.
ومن غياب الشمس ابتدأت العربان تتوارد وتجتمع خارج البيوت ، إلى أن صاروا نحو ثلاث مئة خيال. وثاني يوم من قبل شروق الشمس ركب ناصر وابن عمه زامل وأخوه الصغير حمد وساروا جميعهم بكامل الخيل إلى ناحية الشرق ، وبعد ثلاثة أيام عادوا بكاملهم وخرجت العربان للقائهم بكل فرح ولعبوا على ظهور الخيل ، واحضروا معهم مئة وثمانية جمال من أموال الضفير. وبعد أن ارتاحوا أخبروا عن غارتهم وعما جرى لهم مع القبيلة المذكورة ، وهو أنه بعد توجههم ، وصلوا ثاني يوم ، وقت الظهر ، إلى المكان الذي كانت ترعى فيه جمال الضفير ، بعيدا عن البيوت ساعتين ، وليس مع الجمال إلا الرعيان فقط ، فأغارت الخيل على الجمال لكي تأخذها وهرب الرعيان سريعا نحو البيوت وأخبروا عربهم ، فركبوا حالا وطلبوا ناصر المهنا وربعه. وأما ناصر فإنه أرسل حالا الكسب ، أعني الجمال التي أخذها ، مع قليل من
__________________
(١) يقول الصائغ : «يا ستي ، الغريب بيصير كثير الغلبة».