١ / ٢١ الخيل ، على طريق غير الطريق المعروف ، حتى يوصلها إلى قبيلته ، وإذ / وصلت خيل الضفير إليهم ووقعت الحرب بينهم ، فما قتل غير واحد من الضفير وجرح اثنان من الحسنة ، أعني من قبيلة ناصر ، فدخل الليل ورجع كل واحد إلى حال سبيله. وفي ضحى اليوم الثاني حضر ناصر وكامل الخيل ، ومعه الكسب الذي أخذوه من الضفير.
وفي ذلك اليوم أتى ناصر عندنا وهو فرحان بانتصاره ، ضحوك الوجه ، وجلس عندنا في المكان الذي نبيع فيه ، وابتدأ يتكلم مع الشيخ إبراهيم بالتركي. فقال له الشيخ إبراهيم : يا شيخ ناصر ، أنا لا أعرف التركي ، ولكن أعرف فقط الرومي [اليوناني] ، لأني قبرصي ، وقليلا من العربي ، علمني عبد الله الخطيب. فقال ناصر ، يا إبراهيم ، العز بالترك والجاه بالعثماني ، وأنا أتكلم بالتركي ، ولي مخالطة مع الحكام في جميع أنحاء البلاد ، وإن شاء الله إني بوساطتهم أقهر العربان وأسود عليهم. فقال له الشيخ إبراهيم ، يا ناصر ، اعلم أن الشجر تقطع بفرع منها ، والعثماني ليس عندك في كل وقت ، والعربان أبناء جنسك أخير لك ، لا سيما وأن العثماني صاحب ملاعيب ولا يحب إلا أهل جنسه ، فيريك المحبة حتى يحصل بوساطتك على مآربه ، ويجعل العرب ضعفاء تحت حكمه ، وإن استطاع أبادهم جميعا. ثم قال له : خذ حذرك واعمل على خلاصك ، ولكن سوف تندم على رأيك.
هذا ، وفي تلك الأثناء وصله مكتوب (١) من والي الشام سليمان باشا والي عكا مضمونه أن يحضر إلى دمشق لتنصيبه على الديرة ويطرد العربان الذين لا يدخلون تحت طاعته ويكون أمير ديرة الشام وكل القبائل تحت يده. ففرح بذلك فرحا شديدا وحالا توجه إلى دمشق مع عشرة خيالة.
وأما نحن فبقينا مع مهنا. وفي مساء اليوم الثاني أمر العربان بالرحيل صباحا. ولما كان الغد ، قبل طلوع الشمس ، ارتمت كافة البيوت وحمّلت حالا ، وركبت الرجال على خيولها وأناس على الجمال ، والنساء الوجيهات في الهوادج المجوّخة (٢) ، وسارت الجمال غير المحملة أماما مع الرعيان وبعدها الظعون (٣) أعني [الجمال التي تحمل] البيوت والألبسة ، وأمام
__________________
(١) في المخطوطة : «بولردي» ، كلمة تركية تعني رسالة رسمية من ممثل السلطات العثمانية يصدر فيها أوامره ويعلن عن إرادته.
(٢) أي المفروشة بالجوخ.
(٣) في الأصل : الضعون.