الجميع الخيل يتقدمها نحو عشرين خيالا مجربين بالحرب والقتال يسمونهم السلف ، وعليهم ٢ / ٢١ أن يراقبوا السير ليروا من يأتي من بعيد ومن يكون في الطريق. وهذا أول رحيل رأيناه / وهذا شيء رائع حقيقة ولا سيما رؤية نساء أعيان القبيلة في الهوادج. فالهودج مثل السرير يوضع على ظهر الجمل ، وله مثل السرج ، وهو مركز على قوائم من خشب علوها نحو ذراعين مشدود بعضها ببعض. وهو واسع ، تقعد فيه المرأة وتضع أولادها معها ، وداخله مغطى بالجوخ الوردي والأصفر ، وعلى دائره شرّابات ملونة من الصوف. والنتيجة شيء ظريف ولائق بهن. أما نساء الفقراء فإن كل واحدة منهن تعمل لها على ظهر الجمل مثل بركة مدورة من البسط والثياب ، وتقعد هي وأولادها في وسط هذا المحل الذي يسمونه حصارا أي أنه يحصر الأولاد ويمنعهم عن الوقوع. ونساؤهم على الإطلاق يلبسن فقط الثوب الأزرق مثل القميص ، وفوقه عباءة سوداء حساوية ، وعلى رؤوسهن شملات سوداء طولها ثلاثة أذرع ، طرفها على الرأس وباقيها ملفوف على الرقبة ، وأما الطرف الثاني فمرمي وراء الظهر ، وفي أيديهن أساور من الزجاج ، ومرجان مضموم دورين أو ثلاثة ، وحبوب كهربا ، وهن حفايا لا شيء بأرجلهن كليا.
وكان الأمير مهنا راكبا على جمل ، لأنه أريح له نظرا إلى شيخوخته ، والناس يمشون حوله ، فشبهناه بأبينا إبراهيم الخليل أيام حياته ، لأنه كان على هذه الصفة كما هو معلوم.
ثم وصلنا قبل العصر إلى المحل الذي كنا نقصده ، وهو مكان يقال له المحرّم ، بالقرب من حماة ، لأن سيرنا كان إلى جهة الغرب. ولما قربنا تسابقت الخيل وكل واحد نصب رمحه في مكان ، وربط فرسه بالرمح ، والمعنى أنه يريد أن يكون بيته في ذلك المحل. فوصلت الظعون ، أعني النساء والبيوت ، وكل امرأة عرفت فرس زوجها ورمحه ، فنصبت البيت إلى جانب الرمح. وفي قليل من الوقت ، بعد أن كان ذلك المكان خاليا من كل شيء ، صار فيه بلد وأناس وجمال وخيل وبيوت بمقدار أهالي حماة ، وماء ذلك المحل جمع من المطر ، وكل تلك الأرض غدران مجموع بها الماء. وبالقرب منها أرض عالية أكثرها من الصخر وهي منقورة باليد ومملؤة من ماء الشتاء.
وبعد إقامتنا بثلاثة أيام وإذا الرعيان راكضة وهي تصيح : يا أهل الخيل الحقوا. ١ / ٢٢ فضجت العربان وقامت الصيحة من كل جهة ، وإذ وصلت الرعيان / وأخبرت أنه حضر غزو عظيم وجموع كثيرة بقوة هائلة من عرب الضفير وأخذوا كل النوق والجمال. فركبت الخيل