غارات العرب ، خوفا على طرشهم (١) وحالهم. فوجدنا أن أهالي القرى مظلومون جدا ، لأن عليهم أن يرضوا خاطر العثماني والعرب ، وهم رعايا فقراء جدا ، وحسبنا بالتقريب ما يصل إلى مهنا من الأموال. فيصله من القرى ، باسم الخوة ، نحو مئة كيس ، وله على حماة وحمص كل سنة كميات من الحنطة ، وله أيضا الصرة التي تعطى له من أجل الحج ، وتصله الهدايا من كامل أكابر البلاد والحكام فيرسلون إلي بالألبسة والأرز والدبس وغيرها من الأشياء التي لا يوجد عنده منها. ومع ذلك فهو دائما مفلس وعليه دين ، على الرغم من أن لا مصروف عليه. فالحنطة تأتيه مجانا والأرز كذلك ، كما ذكرنا. أما السمن فتعطيه العربان ، وعنده الغنم يذبح كل يوم منها ، وتأتيه الهدايا من العرب أيضا وليس عليه علوفة (٢) لعسكر أو لخدم ، أما الألبسة فليس هناك غير القميص والعباية والكوفية والجزمة ، هذا بالنسبة إلى مهنا نفسه وأكابر قبيلته ، أما بقية الناس فلا شيء بأرجلهم على الإطلاق ، فالغني يزيد على الفقير بالجزمة فقط. ففكرنا بذلك وصرنا نسأل أنفسنا أين تذهب الأموال التي تصله ، واستخبرنا عن هذا الأمر ، فعلمنا أن أمواله تصرف على العربان فهو يكسوهم ويكسو خيلهم ويكرمهم. ومتى ما صار عنده قليل من المال يفرقه على الفداوية أعني الفرسان المشهورة بالحرب ، ومتى أتته حاجة جديدة لا يلبسها بل حالا يعطيها للشخص الذي يكون أمامه. فهذا الذي جعله ١ / ٢٤ كبيرا بين العربان ، وهذه عادة العرب وعلى الأخص طائفة بيت الملحم. / ولا شك أن جميع العربان غير راضية عنهم ، إلا أن كرمهم خلق لهم حزبا كبيرا واسما شهيرا بين العشائر. والواقع أنهم وإن كانوا من بيت قديم ، فإن أفعال ناصر من شأنها أن تبعد الناس عنهم. ولكن كرمهم واسم بيتهم القديم جعلهم يثبتون.
ثم رحلنا من تلك المنزلة إلى أخرى بقرب حمص يقال لها الجديدة ، ماؤها نبع يجري على الأرض ، وهي تبعد ثلاث ساعات عن نهر العاصي الذي يقع غربيها. فنزل مهنا إلى حمص مع عشرة خيالة ، وبقي فيها يومين وحضر ومعه هدايا من حاكم حمص وأكابرها ، لأنهم يخشون منه على قوافلهم وأرزاقهم الشاردة والواردة. لأن من عادة العرب ، إذا لم يكونوا راضيين عن بلدة ، أن ينهبوا قوافلها. وبعد حضور مهنا بيومين. ركب ناصر بنحو خمس مئة خيال
__________________
(١) ماشيتهم.
(٢) علوفة : مرتب شهري أو سنوي.