على قبيلة يقال لها عبد الله (١) أميرها يسمى سطام الدّغيمي (٢). وكان المذكور في منزلة بقرب تدمر يقال لها أسدين (أعني النهدين) لأن بها تلتين ، الواحدة إلى جانب الأخرى ، بالحجم نفسه. وبعد ثلاثة أيام حضر ومعه نحو مائتي ناقة وغنم كسبها ، وأخبر أن موقعة عظيمة حصلت بين الطرفين ، وقتل من ربع ناصر ثلاثة أفراد ومن العبد الله نحو عشرة ، وأتوا بثلاثة أفراس عظام ، وأخذ لهم فرس واحد ، وهو فرس زامل ابن عم ناصر الذي ذكرناه سابقا.
فضجّ العربان جميعهم من هذه الغارة ، وتأكد لهم أن ناصرا يقصد خراب العرب ، ويريد الشر معهم ، لأنه أغار على عرب سطام من غير سبب ولا عداوة سالفة بينهم ، ولكن يرغب في كسر شيمتهم حتى يسود عليهم ، فاشتغلت الطروش (أعني المراسلات) بين العربان يخبرون بعضهم بعضا ، وانذروا الناس لكي يجتمعوا ويكونوا على حذر من الحسنة ، ووصلت مكاتباتهم إلى الدريعي وإلى عرب نجد وشمر ، ونمت العداوة بينهم ، وعزموا على الغارات على عرب الحسنة ، أتباع مهنا ، وشاع هذا الخبر في كامل ديرة عربستان ، ووصل إلى أمير يقال له دوخي بن سمير (٣) ، ويقال لقبيلته ولد علي ، يقيم في ديرة حوران فوق دمشق. فهذا الأمير يأخذ صرّة (٤) من وزير الشام لأجل الحج ، مثل مهنا تماما ، وبينه وبين بيت الملحم قرابة من جهة النساء ، وهم أحباء من زمن قديم ، فلما بلغته هذه الأمور اغتاظ ٢ / ٢٤ جدا وخاف على بيت الملحم ، ولم يتحمل ذلك ، فركب حالا ومعه نحو ثلاثين خيالا / وأتى عندنا خصوصا ، فلقيه الناس بكل إحترام. ونزل من على ظهر جواده ، وهو مسود الوجه عابس. فأمر مهنا بالقهوة فقال له : يا مهنا قهوتك مشروبة ، فإني لم آت لأشرب القهوة بل لأقول لك أن بيتك وحمولة بيت ملحم سوف تتلاشى عن قريب ، من أفعال ولدك هذا ناصر باشا ، وذلك من نوع الاستهزاء. ثم قال : واعلموا أن كل العربان ضدكم ومرادها أن ترد النقا عليكم ، (رد النقا معناه اشهار الحرب) ، لأن في اصطلاح العرب متى قلت مردود عليك النقا (٥) ، معناه خذ حذرك مني لأني أصبحت خصمك (٦) وأعلنت الحرب
__________________
(١) «عبد له» ؛ من عنزة ، «تلفظ لفظة الجلالة برقة زائدة» (وصفي زكريا ، عشائر الشام ، II ، ٣٩).
(٢) الدّغيم ، من السلقا ، من عنزة.
(٣) «دوخي ابن سمير».
(٤) «صرّ».
(٥) هذا الاصطلاح لم يزل معمولا به ، (انظر : العزيزي ، قاموس ، ج ١ ـ ص ٣٤٤).
(٦) الصائغ يكتب : «أنا ضشمانك».