عليك. أما الجوخدار ، فكان سافر إلى حماة قبل يوم واحد فقط ليذهب بعد ذلك عند باشا دمشق. فتغيرت ألوان مهنا وقال لابنه ناصر : هل أعجبك هذا الشغل؟ أتريد أن تبيد اسمنا ويكون خلاص بيت ملحم على زمانك؟ فزعل ناصر وقال : ليفعل العربان ما يريدون ولا يقصّروا ، إن شاء الله أني سأحضر لهم عشرين ألف عسكري من البلاد. وذلك لأنه ما كان يشد ظهره فقط بباشا الشام ولكن أيضا بدالي (١) باش يقال له الملّا اسماعيل ، رجل كبير الشأن مقيم في حماة ، صوته يجمع دائما ثلاثة إلى أربعة آلاف دالاتي (٢).
فمن بعد جدال طويل وكلام كثير مع الدوخي ، لم ينتج عنهما فائدة ، بات تلك الليلة وثاني يوم قال : يا ناصر ، أنا ذاهب عند أهلي ، ولكني لا أكون ضدك ، بسبب حق الخبز والملح والقرابة والصحبة ، وكذلك لا أكون معك ، إذ لا يجوز ذلك ، لأن مشيئتك رديئة وقصدك تنكيس أبناء جنسك. ثم ركب وتوجه إلى ديرته حوران ، بكل حمق وغيظ.
أما مهنا فإنه خاف من هذا الكلام ، وثاني يوم رحل ونزل بقرب حماة ، وكان بينه وبين حماة ساعة ، وذلك بمشورة ناصر ليكون قريبا من البلاد ، فإذا احتاج إلى عساكر يطلبها من حاكم حماة ومن الملّا اسماعيل الذي ذكرناه سابقا. أما العربان فإنه تم رأيهم على تنكيس راية بيت الملحم ، وارتبطوا مع بعضهم بعضا ، وصار كل من رأى أحدا من غير قبيلته يقتله. وكانت الصيفية رديئة قضيناها بالخوف والجزع ولم يعد لنا رغبة في الذهاب عند قبائل أخرى ، ١ / ٢٥ لأننا أصبحنا معروفين من أتباع بيت الملحم ، فيصيبنا ضرر من العرب بسبب ذلك ، / والتزمنا أن نبقى دائما مع قبيلة مهنا.
وأما المذكور ، فغشيم جدا كما تقدم الشرح عن طباعه ، وبسبب غشمه ينقاد إلى ابنه ناصر في كل ما يريده. ومما يحكى عن غشمه أن وزير الختم ، حين رجع من مصر بعد أن غادرها الفرنسيون ، مرّ على دمشق بجميع الجيش (٣) الهميوني (٤) ، فصار كبار البلدة ووجهاؤها وأعيانها يأتون للسلام عليه. وبطريق الإتفاق كان مهنا حينئذ بدمشق ، فتحسن
__________________
(١) دالي باش أي رئيس الدلاتية.
(٢) الدلاتي (من التركية) : جندي من المشاة أو الفرسان يضع على رأسه القاوق أي قبعة مستطيلة أسطوانية الشكل.
(٣) في الأصل : أرضي.
(٤) الهمايوني أي السلطاني أو الملكي.